فصل في قدوم الأزد على رسول الله
البداية والنهاية لابن كثير
وأنهم كانوا بضعة عشر راكباً عليهم الأشعث بن قيس، وأنه أجازهم بعشر
أواق، وأجاز الأشعث اثنتي عشرة أوقية، وقد تقدم.
قدموا في بضعة عشر راكباً فصادفوا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
يخطب على المنبر، فجلسوا ولم يسلموا فقال:
( أمسلمون أنتم؟ ).
فقاموا قياماً فقالوا: السلام عليك أيها النَّبيّ ورحمة الله وبركاته.
( وعليكم السلام اجلسوا ).
فجلسوا وسألوا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن أوقات الصلوات.
قال: وقدم أبو ثعلبة الخشنيّ، ورسول الله يجهِّز إلى خيبر فشهد معه
خيبر، ثم قدم بعد ذلك بضعة عشر رجلاً منهم فأسلموا.
ثم ذكر وفد بني سعد هذيم، وبلي وبهراء، وبني عذرة، وسلامان،
وجهينة، وبني كلب، والجرميين.وقد تقدم حديث عمرو بن سلمة
الجرمي في صحيح البخاري.
وذكر: وفد الأزد، وغسان، والحارث بن كعب، وهمدان، وسعد العشيرة،
وقيس، ووفد الداريين، والرهاويين، وبني عامر، والمسجع،
وبجيلة، وخثعم، وحضرموت.
وذكر فيهم: وائل بن حجر، وذكر فيهم الملوك الأربعة: حميداً،
ومخوساً، ومشرجاً، وأبضعه.
وقد ورد في مسند أحمد: لعنهم مع أختهم العمّردة.وتكلم الواقدي كلاماً
فيه طولوذكر وفد وبسط الكلام على هذه القبائل بطول أزد عمان، وغافق،
وبارق، وثمالة، والحدار، وأسلم، وجذام، ومهرة، وحمير، ونجران،
وحيسان، جداً.وقد قدمنا بعض ما يتعلق بذلك وفيما أوردناه كفاية،
حدثني: شعيب بن عُبادة عن عبد المطلب بن عبد الله بن حنظب قال:
بينا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم جالس بالمدينة في أصحابه أقبل ذئب،
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم:
( هذا وافد السِّباع إليكم، فإن أحببتم أن تفرضوا له شيئاً
لا يعدوه إلى غيره، وإن أحببتم تركتموه وتحذَّرتم منه،
فما أخذ فهو رزقه ).
قالوا: يا رسول الله ما تطيب أنفسنا له بشيء، فأومأ إليه النَّبيّ
صلَّى الله عليه وسلَّم بأصابعه الثلاث أي: خالسهم فولى وله عسلان.
وهذا مرسل من هذا الوجه.
ويشبه هذا الذئب الذئب الذي ذكر في الحديث الذي رواه الإمام أحمد:
حدَّثنا يزيد بن هارون، أنبانا القاسم بن الفضل الحدَّاني عن أبي نضرة،
عن أبي سعيد الخدريّ قال: عدا الذئب على شاة فأخذها، فطلبها الراعي
فانتزعها منه، فأقعى الذئب على ذنبه.فقال: ألا تتقي الله تنزع مني رزقاً
ساقه الله إليّ.فقال: يا عجباً، ذئب مقعٍ على ذنبه يكلمني كلام الإنس.
فقال الذئب: ألا أخبرك بأعجب من ذلك؟ محمد رسول الله صلَّى الله
عليه وسلَّم بيثرب يخبر النَّاس بأنباء ما قد سبق.قال: فأقبل الراعي
يسوق غنمه حتَّى دخل المدينة، فزاواها إلى زاوية من زواياها، ثم أتى
رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فأخبره، فأمر رسول الله صلَّى الله عليه
وسلَّم فنودي: الصلاة جامعة، ثم خرج، فقال للأعرابي:
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم:
( صدق والذي نفس محمد بيده لا تقوم الساعة حتَّى تكلِّم السباع الإنس
وتكلم الرجل عذبة سوطه، وشراك نعله، وتخبره فخذه
بما أحدث أهله بعده ).
وقد رواه التِّرمذي: عن سفيان بن وكيع بن الجراح، عن أبيه، عن القاسم
بن الفضل به.وقال: حسن غريب صحيح، لا نعرفه إلا من حديث القاسم
بن الفضل به، وهو ثقة مأمون عند أهل الحديث.وثَّقه يحيى وابن مهدي.
قلت: وقد رواه الإمام أحمد أيضاً: حدَّثنا أبو اليمان، أنبأنا شعيب – هو
ابن أبي حمزة - حدثني عبد الله ابن أبي الحسين، حدَّثني مهران، أنبأنا
أبو سعيد الخدريّ حدَّثه، فذكر هذه القصة بطولها بأبسط من هذا السياق.
ثم رواه أحمد: حدَّثنا أبو النضر، ثنا عبد الحميد بن بهرام، ثنا شهر قال:
وحدَّث أبو سعيد فذكره.وهذا السِّياق أشبه، والله أعلم.وهو إسناد
على شرط أهل السُّنن، ولم يخرِّجوه.
فصل ذكر وفود الجن بمكة قبل الهجرة.
وقد تقدم ذكر وفود الجن بمكة قبل الهجرة، وقد تقصينا الكلام في ذلك
عند قوله تعالى في سورة الأحقاف:
{ وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ }
فذكرنا ما ورد من الأحاديث في ذلك والآثار، وأوردنا حديث سواد بن قارب
الذي كان كاهناً فأسلم، وما رواه عن رئيه الذي كان يأتيه بالخبر
حين أسلم الرئي، حين قال له:
عـجـبـتُ لـلـجـنِّiiوأنـجـاسـهَـا وشـدِهـا الـعـيـسَiiبأحـلاسِـهَـا