نفوس حيـــــــــوانية لأبن القيم يرحمه الله
نفوس حيـــــــــوانية مدارج السالكين / 1 / 394\
لا شك أن النفوس البشرية تختلف وطبائعها تتباين ، فمنهم من نفسه
حقيرة ، ومنهم من نفسهبغيضة ، ومنهم من نفسه دونية ، مثلهم
مثل الانعام ، وكذا منهم من نفسه طاهرة نقية نقاء اللؤلوء ،ومنهم
من نفسه درية مضيئة تبعث النور فى كل من حولها ومنهم الى اخره.
فالنفوس البشرية تختلف وطبائعها تتباين
وفى هذا المعنى يقول ابن القيم
مشهد الحيوانية وقضاء الشهوة
فمشهد الجهال الذين لا فرق بينهم وبين سائر الحيوان إلا في اعتدال
القامة ونطق اللسان ، ليس همهم إلا مجرد نيل الشهوة بأي طريق
أفضت إليها ، فهؤلاء نفوسهم نفوس حيوانية لم تترق عنها إلى درجة
الإنسانية فضلا عن درجة الملائكة ، فهؤلاء حالهم أخس من أن تذكر
وهم في أحوالهم متفاوتون بحسب تفلوت الحيوانات التي هم على
لو صادف جيفة تشبع ألف كلب لوقع عليها ، وحماها من سائر الكلاب ،
ونبح كل كلب يدنو منها ، فلا تقربها الكلاب إلا على كره منه وغلبة ،
ولا يسمح لكلبٍ بشيء منها ، وهمه شبع بطنه من أي طعام اتفق ميتة
أو مذكى خبيث أو طيب ، ولا يستحى من قبيح ، إن تحمل عليه يلهث
أو تتركه يلهث ،إن أطعمته بَصْـبَص بذنبه ودار حولك ، وإن منعته
لم تخلق إلا للكدر والعلف كلما زيد في علفه زيد في كده ،أبكم الحيوان
وأقله بصيرة ، ولهذا مثـَّل الله سبحانه وتعالى به من حمله كتابه فلم
يحمله معرفة ولا فقها ولا عملا ، ومُـثـِّل بالكلب عالم السوء الذي آتاه
الله آياته فانسلخ منها وأخلد إلى الأرض واتبع هواه ،وفي هذين المثلين
أسرار عظيمة ليس هذا موضوع ذكرها
ومنهم من نفسه سبعية غضبية
همته العدوان على الناس وقهرهم بما وصلت إليه قدرته ، طبيعته
تتقاضى ذلك كتقاضي طبيعة السبع لما يصدر منه
فاسق بطبعه مفسد لما جاروه تسبيحه بلسان الحال سبحان
ومنهم من نفسه على نفوس ذوات السموم و الحمات
كالحية والعقرب وغيرهما ، وهذا الضرب هو الذي يؤذي بعينه ،
فيدخل الرجل القبر والجملالقدر والعين وحده لم تفعل شيئا ، وإنما
النفس الخبيثة السمية تكيفت بكيفية غضبية مع شدة حسد وإعجاب ،
وقابلت المعين على غرة منه وغفلة وهو أعزل من سلاحه فلدغته كالحية
التي تنظر إلى موضع مكشوف من بدن الإنسان فتنهشه فإما عطب
وإما أذى ، والذنب لجهل المعين وغفلته وغرته عن حمل سلاحه كل وقت
، فالعائن لا يؤثر في شاكي السلاح كالحية إذا قابلت درعا سابغا على
جميع البدن ليس فيه موضع مكشوف ، فحق على من أراد حفظ نفسه
وحمايتها أن لا يزال متدرعا متحصنا لابسا أداة الحرب مواظبا على أوراد
التعوذات والتحصينات النبوية التي في القرآن والتي في السنة .....
ومن الناس من طبعه طبع خنزير
يمر بالطيبات فلا يلوى عليها ، وهكذا كثير من الناس يسمع من
ويرى من المحاسن أضعاف أضعاف المساوئ فلا يحفظها ولا ينقلها
ولا تناسبه ، فإذا رأى سقطة أو كلمة عوراء وجد بغيته وما يناسبها
ومنهم من هو على طبيعة الطاؤوس
ليس له إلا التطويس والتزين بالريش ، وليس وراء ذلك من شيء
ومنهم من هو على طبيعة الجمل
ومنهم من هو على طبيعة الدب
أبكم خبيث وعلى طبيعة القرد
وأحمد طبائع الحيوانات طبائع الخيل
التي هي أشرف الحيوانات نفوسا وأكرمها طبعا وكذلك الغنم
وكل من ألف ضربا من ضورب هذه الحيوانات اكتسب من طبعه
وخلقه ، فإن تغذى بلحمه كان الشبه أقوى فإن الغاذي شبيه بالمغتذى ،
ولهذا حرم الله أكل لحوم السباع وجوارح الطير لما تورث آكلها
من شبه نفوسها بها والله أعلم