بعث رسول الله بالأمراء إلى أهل اليمن
من كتاب البداية و النهاية لأبن كثير يرحمه الله
(باب بعث أبي موسى، ومعاذ إلى اليمن قبل حجة الوداع):
حدَّثنا موسى، ثنا أبو عوانة، ثنا عبد الملك، عن أبي بردة قال: بعث النَّبيّ
صلَّى الله عليه وسلَّم أبا موسى، ومعاذ بن جبل إلى اليمن قال: وبعث كل
واحد منهما على مخلاف قال: واليمن مخلافان ثم قال:
( يسِّرا ولا تعسِّرا، وبشِّرا ولا تنفِّرا ).
( وتطاوعا ولا تختلفا ).
وانطلق كل واحد منهما إلى عمله قال: وكان كل واحد منهما إذا سار في
أرضه وكان قريباً من صاحبه أحدث به عهداً فسلم عليه، فسار معاذ في
أرضه قريباً من صاحبه أبي موسى فجاء يسير على بغلته حتَّى انتهى إليه
فإذا هو جالس وقد اجتمع النَّاس إليه، وإذا رجل عنده قد جمعت يداه إلى
عنقه فقال له معاذ: يا عبد الله بن قيس أيم هذا؟قال: هذا رجل كفر بعد
إسلامه.قال: لا أنزل حتَّى يقتل.قال: إنما جيء به لذلك فانزل.قال: ما أنزل
حتَّى يقتل، فأمر به فقتل ثم نزل.فقال: يا عبد الله كيف تقرأ القرآن؟قال:
أتفوقه تفوقاً.قال: فكيف تقرأ أنت يا معاذ؟قال: أنام أول الليل فأقوم، وقد
قضيت جزئي من النوم فأقرأ ما كتب الله لي، فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي.
انفرد به البخاري دون مسلم من هذا الوجه.
ثنا إسحاق، ثنا خالد عن الشيباني، عن سعيد ابن أبي بردة، عن أبيه،
عن أبي موسى الأشعريّ، أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بعثه إلى
اليمن فسأله عن أشربة تصنع بها، فقال: ما هي؟قال: البتع، والمزر.
فقلت لأبي بردة: ما التبع؟قال: نبيذ العسل، والمزر نبيذ الشعير.
( كل مسكر حرام ).
رواه جرير، وعبد الواحد عن الشيباني، عن أبي بردة.ورواه مسلم
من حديث سعيد ابن أبي بردة.
حدَّثنا حبان، أنبأنا عبد الله عن زكريا ابن أبي إسحاق، عن يحيى بن
عبد الله ابن صيفي، عن أبي معبد مولى ابن عبَّاس، عن ابن عبَّاس قال:
قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن:
( إنك ستأتي قوماً أهل كتاب، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا
أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك
فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات كل يوم وليلة، فإن
هم أطاعوا لك بذلك، فأخبرهم أن الله فرض عليهم صدقة تؤخذ
من أغنيائهم فتردُّ على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك
وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها
وقد أخرجه بقية الجماعة من طرق متعددة.
ثنا أبو المغيرة، ثنا صفوان، حدَّثني راشد بن سعد عن عاصم بن حميد
الكسوني، عن معاذ بن جبل قال: لما بعثه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
إلى اليمن خرج معه يوصيه، ومعاذ راكب ورسول الله صلَّى الله عليه
وسلَّم يمشي تحت راحلته، فلما فرغ قال:
( يا معاذ إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا،
ولعلك أن تمر مسجدي هذا وقبري ).
فبكى معاذ خشعاً لفراق رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
، ثم التفت بوجهه نحو المدينة فقال:
( إنَّ أولى النَّاس بي المتَّقون من كانوا وحيث كانوا ).
ثم رواه: عن أبي اليمان، عن صفوان بن عمرو، عن راشد بن سعد،
عن عاصم بن حميد السكوني، أن معاذ لما بعثه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
إلى اليمن، خرج معه يوصيه، ومعاذ راكب ورسول الله يمشي تحت
( يا معاذ إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا،
ولعلك أن تمر بمسجدي هذا وقبري ).
فبكى معاذ خشعاً لفراق رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
( لا تبك يا معاذ للبكاء أوان، البكاء من الشَّيطان ).
حدَّثنا أبو المغيرة، ثنا صفوان، حدَّثني أبو زياد يحيى بن عبيد الغساني
عن يزيد بن قطيب، عن معاذ أنه كان يقول:
بعثني رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلى اليمن فقال:
( لعلك أن تمر بقبري ومسجدي، فقد بعثتك إلى قوم رقيقة قلوبهم
يقاتلون على الحق مرتين، فقاتل بمن أطاعك منهم من عصاك،
ثم يفيئون إلى الإسلام حتَّى تبادر المرأة زوجها، والولد والده،
والأخ أخاه، فأنزل بين الحيين السكون والسكاسك ).
وهذا الحديث فيه إشارة وظهور وإيماء إلى أن معاذاً رضي الله عنه
لا يجتمع بالنَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بعد ذلك وكذلك وقع فإنَّه أقام باليمن
حتَّى كانت حجة الوداع، ثم كانت وفاته عليه السلام بعد أحد وثمانين
يوماً من يوم الحج الأكبر.
فأما الحديث الذي قال الإمام أحمد:
حدَّثنا وكيع عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن معاذ أنه لما رجع من اليمن
قال: يا رسول الله رأيت رجالاً باليمن يسجد بعضهم لبعض، أفلا نسجد لك؟
( لو كنت آمر بشراً أن يسجد لبشر لأمرت المرأة
عن ابن نمير، عن الأعمش، سمعت أبا ظبيان يحدث عن رجل
من الأنصار، عن معاذ بن جبل قال: أقبل معاذ من اليمن فقال:
يا رسول الله إني رأيت رجالاً، فذكر معناه، فقصد دار على رجل منهم.
ومثله لا يحتج به، لا سيما وقد خالفه غيره ممن يعتد به، فقالوا:
لما قدم معاذ من الشام.
ثنا إبراهيم بن مهدي، ثنا إسماعيل بن عياش عن عبد الرحمن ابن أبي
حسين، عن شهر بن حوشب، عن معاذ بن جبل قال:
قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم:
( مفاتيح الجنَّة شهادة أن لا إله إلا الله ).
ثنا وكيع، ثنا سفيان عن حبيب ابن أبي ثابت، عن ميمون ابن أبي شبيب،
عن معاذ أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال:
( يا معاذ اتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالِق النَّاس بخلق حسن ).
وجدته في كتابي عن أبي ذر، وهو السَّماع الأول.
حدَّثنا إسماعيل عن ليث، عن حبيب ابن أبي ثابت، عن ميمون
ابن أبي شبيب، عن معاذ أنه قال: يا رسول الله أوصني.
( اتق الله حيثما كنت ).
( اتبع السيئة الحسنة تمحها ).
( خالِق النَّاس بخلق حسن ).
وقد رواه التِّرمذي في جامعه: عن محمود بن غيلان، عن وكيع،
عن سفيان الثوري به، وقال: حسن.
قال شيخنا في (الأطراف) وتابعه فضيل بن سليمان:
عن ليث ابن أبي سليم، عن الأعمش، عن حبيب به.
ثنا أبو اليمان، ثنا إسماعيل بن عياش عن صفوان بن عمرو، عن
عبد الرحمن بن جبير بن نفير الحضرمي، عن معاذ بن جبل قال:
أوصاني رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بعشر كلمات.
( لا تشرك بالله شيئاً وإن قتلت وحرقت، ولا تعقن والديك
وإن أمراك أن تخرج من مالك وأهلك، ولا تتركن صلاة مكتوبة
متعمداً فإن من ترك صلاةً مكتوبةً متعمداً فقد برئت منه ذمة الله،
ولا تشربن خمراً فإنَّه رأس كل فاحشة، وإياك والمعصية فإن
بالمعصية يحل سخط الله، وإياك والفرار من الزحف وإن هلك
النَّاس، وإذا أصاب النَّاس موت وأنت فيهم فاثبت، وأنفق على
عيالك من طولك، ولا ترفع عنهم عصاك أدباً، وأحبهم
ثنا يونس، ثنا بقية عن السري بن ينعم، عن شريح، عن مسروق،
عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لما بعثه
( إياك والتنعم فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين ).
ثنا سليمان بن داود الهاشمي، ثنا أبو بكر - يعني: ابن عياش - ثنا عاصم
عن أبي وائل، عن معاذ قال: بعثني رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلى
اليمن، وأمرني أن آخذ من كل حالم ديناراً، أو عدله من المعافر، وأمرني
أن آخذ من كل أربعين بقرةً مسنةً، ومن كل ثلاثين بقرة تبيعاً حولياً،
وأمرني فيما سقت السماء العشر، وما سقي بالدوالي نصف العشر.
وقد رواه أبو داود من حديث أبي معاوية.والنسائي من حديث
محمد بن إسحاق عن الأعمش كذلك.