الحب في الله و البغض في الله
ابن القيم ----------كتاب الروح
فصل الفرق بين الحب في الله والحب مع الله :
وكل أحد محتاج بل مضطر إلى الفرق بين هذا وهذا فالحب في الله هو من
كمال الإيمان والحب مع الله هو عين الشرك والفرق بينهما أن المحب في
الحب تابع لمحبة الله فإذا تمكنت محبته من قلب العبد أوجبت تلك المحبة
ان يحب ما يحبه الله فإذا أحب ما أحبه ربه ووليه كان ذلك الحب له وفيه
كما يحب رسله وأنبياءه وملائكته وأوليائه لكونه تعالى يحبهم ويبغض
من يبغضهم لكونه تعالى ببغضهم وعلامة هذا الحب والبغض في الله أنه
لا ينقلب بغضه لبغيض الله حبا لإحسانه إليه وخدمته له وقضاء حوائجه
ولا ينقلب حبه لحبيب الله بغضا إذا وصل إليه من جهته من يكرهه ويؤلمه
إما خطأ وإما عمدا مطيعا لله فيه أو متأولا أو مجتهدا أو باغيا نازعا تائبا
والدين كله يدور على أربع قواعد حب وبغض ويترتب عليهما فعل وترك
فمن كان حبه وبغضه وفعله وتركه لله فقد استكمل الإيمان بحيث إذا أحب
أحب لله وإذا أبغض أبغض لله وإذا فعل فعل لله وإذا ترك ترك لله وما نقص
من أصنافه هذه الأربعة نقص من إيمانه ودينه بحسبه وهذا بخلاف الحب
مع الله فهو نوعان يقدح في أصل التوحيد وهو شرك ونوع يقدح في كمال
الإخلاص ومحبة الله ولا يخرج من الإسلام
كمحبة المشركين لأوثانهم وأندادهم
{ ومِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ }
وهؤلاء المشركون يحبون أوثانهم وأصنامهم وآلهتهم مع الله كما يحبون
الله فهذه محبة تأله وموالاة يتبعها الخوف والرجاء والعبادة والدعاء
وهذه المحبة هي محض الشرك الذي لا يغفره الله ولا يتم الإيمان
إلا بمعاداة هذه الأنداد وشدة بغضها وبغض أهلها ومعاداتهم ومحاربتهم
وبذلك أرسل الله جميع رسله وأنزل جميع كتبه وخلق النار لأهل هذه
المحبة الشركية وخلق الجنة لمن حارب أهلها وعاداهم فيه وفي مرضاته
فكل من عبد شيئا من لدن عرشه إلى قرار أرضه فقد اتخذ من دون الله
إلها ووليا وأشرك به كائنا ذلك المعبود ما كان ولا بد أن يتبرأ
محبة ما زينه الله للنفوس من النساء والبنين والذهب والفضة والخيل
المسومة والأنعام والحرث فيحبها محبة شهوة كمحبة الجائع للطعام
والظمآن للماء فهذه المحبة ثلاثة أنواع فإن أحبها لله توصلا بها إليه
واستعانة على مرضاته وطاعته أثيب عليها وكانت من قسم الحب لله
توصلا بها إليه ويلتذ بالتمتع بها وهذا حاله أكمل الخلق الذي حبب إليه
من الدنيا النساء والطيب وكانت محبته لهما عونا له على محبة الله
وتبليغ رسالته والقيام بأمره
وإن أحبها لموافقة طبعه وهواه وإرادته ولم يؤثرها على ما يحبه الله
ويرضاه بل نالها بحكم الميل الطبيعي كانت من قسم المباحات ولم يعاقب
على ذلك ولكن ينقص من كمال محبته لله والمحبة فيه وإن كانت
هي مقصودة ومراده وسعيه في تحصيلها والظفر بها وقدمها
على ما يحبه الله ويرضاه منه كان ظالما لنفسه متبعا لهواه
كتاب ---الجواب الكافي لمن سال عن الدواء الشافي
الموضوع--- انواع المحبه :
هاهنا أربعة أنواعٍ من المحبة يجب التفريق بينها ،
وإنما ضلّ من ضلّ بعدم التمييز بينها :
محبة الله ؛ ولا تكفي وحدها في النجاة من الله من عذابه والفوز بثوابه؛
فإن المشركين وعبَّاد الصليب واليهود وغيرهم يحبون الله .
محبة ما يحب الله ؛ وهذه هي التي تدخله في الإسلام وتخرجه من الكفر،
وأحب الناس إلى الله أقومهم بهذه المحبة وأشدهم فيها .
الحب لله وفيه ؛ وهي من لوازم محبة ما يحب الله ، ولا يستقيم
محبّة ما يحب الله إلا بالحب فيه وله .
المحبة مع الله ؛ وهي المحبة الشركية ، وكل من أحبّ شيئاً مع الله
،لا لله ، ولا من أجله ، ولا فيه ، فقد اتخذه نداً من دون الله ،
{ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ }
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ }
ليس مما نحن فيه وهى المحبة الطبيعية : وهي ميل الإنسان إلى
ما يلائم طبعه ؛كمحبة العطشان للماء ،والجائع للطعام ،ومحبة النوم
والزوجة والولد؛ فتلك لا تذم إلا إذا ألهتْ عن ذكر اللهوشغلت
[ أعظم أنواع المحبة وأنفعها هي محبة الله تعالى ]
واعلم أن أنفع المحبة على الإطلاق وأوجبها وأعلاها وأجلها محبة من
جبلة القلوب على محبته وفطرت الخليقة على تأليهه ،وبها قامت الأرض
والسموات ،وعليها فطر المخلوقات، وهي سر شهادة أن لا إله إلا الله ،
فإن الإله هو الذي تألهه القلوب بالمحبة والإجلال والتعظيم والذل له
والخضوع والتعبد ، والعبادة لا تصح إلا له وحده ، والعبادة هي كمال
الحب مع كمال الخضوع والذل ، والشرك في هذه العبودية من أظلم الظلم
الذي لا يغفره الله ، والله سبحانه يُحب لذاته من سائر الوجوه ،
وما سواه فإنما يحب تبعا لمحبته .
{ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ }
وما تعرَّف به إلى عباده من أسمائه الحسنى وصفاته العلا ، وما دلت عليه
آثار مصنوعاته من كماله ونهاية جلاله وعظمته . الله وقد دل على
وجوب محبته سبحانه :جميع كتبه المنزلة،ودعوة جميع رسله أجمعين ،
وفطرته التي فطر عليها عباده ، وما ركب فيها من العقول ، وما أسبغ
عليهم من النعم ، فإن القلو ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون ب مفطورة
مجبولة على محبة من أنعم عليها وأحسن إليها ؛ فكيف بمن كل الإحسان
منه ، وما بخلقه جميعهم من نعمة فمنه وحده لا شريك له
والرب تعالى له الكمال المطلق من ذلك ؛ فإنه جميل يحب الجمال ،
بل الجمال كله له ، والإجلال كله منه ؛فلا يستحق أن يُحب لذاته من
{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ
فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ }
والولاية أصلها الحب ؛ فلا موالاة إلا بحب ،كما أن العداوة أصلها البغض.
والله ولي الذين آمنوا وهم أولياؤه ؛ فهم يوالونه بمحبتهم له ، وهو
يواليهم بمحبته لهم ؛ فالله يوالي عبده المؤمن بحسب محبته له .
ولهذا أنكر سبحانه على من اتخذ من دونه أولياء ؛ بخلاف من والى
أولياءه ؛فإنه لم يتخذهم من دونه ، بل موالاته لهم من تمام موالا ته .
{ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ۖ
وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ }
وأخبر عمن يُسوِّي بينه وبين الأنداد في الحب أنهم
يقولون في النار لمعبوديهم
{ تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَال مُبِين إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ }
وبهذا التوحيد في الحبِّ أرسل الله سبحانه جميع رسله ، وأنزل جميع كتبه
، وأطبقت عليه دعوة جميع الرسل ـ عليهم الصلاة والسلام ـ من أولهم
إلى آخرهم ،ولأجله خلقت السموات و الأرض ،والجنة والنار ،فجعل الجنة
لأهل هذا التوحيد ، والنار للمشركين به وفيه .