مناظرة مفحمة لأهل الإلحاد .. فرضية !
الحمد لله الذي بكل كمال تفرد، نحمده أن وسع حلمه من تعدى وألحد،
فإن تاب وإلا أصلاه العذاب المدد، والصلاة والسلام على نبينا محمد،
وعلى آله وصحبه ذوي الكرامة والسؤدد، وعلى تابعيه على الصراط
وبعد، فهذه محاجّةٌ للملحدين، الذين يقولون لا إله ولا دين، المعظمون
الفرية على رب العالمين، أكتبها لتسعف مناظراً من المسلمين، يشق بها
بإذن الله أشداق المفترين، وخير الجهاد قراع الحجة والبراهين، فالله
أسأل أن يجعلها لي حسنة يوم الدين، إنه جواد لا يضيع أجر العاملين.
من أوجد الكون؟ إما أنه وجد من عدم أو أوجده موجد؟
الإيجاد فعل، والفعل لا يقوم إلا بموجود ضرورة. فبطل هذا الاحتمال.
فيلزمه أن يقر أن قد أوجده موجد.
نقول: هذا الموجد إما هو من هذا الكون
إذاً هو لم يكن قبل الكون أصلاً، وإنما وجد بإيجاده. وعليه يرجع الكلام
إلى امتناع أن يوجد المعدوم شيئاً، ومر بيانه. فبطل الاحتمال الثاني.
فيلزمه أن يقر أن الخالق من خارج الكون.
نقول: هذا الخالق إما أنه واحد أو متعدد؟
لا دليل. فما الدليل على التفرد؟
ثبت وجود خالق قطعاً، وهذا محل اتفاق. ثم لا دليل على أكثر
من ذلك، فلا يصح ادعاؤه. وهذه حقيقة التفرد.
عدم الدليل على الزيادة على الواحد هو دليل ظني على عدم الزيادة
لا قطعي، لاحتمال دليل لا نعلمه. ومثل هذه المسألة لا بد فيها من قطع.
فهل ثم دليل مباشر على التفرد.
أولاً هو قطعي لا ظني، لأنه لو كان ثم خالق لادعى، وما ادعى غير
الله لنفسه الخلق إلا بهت، أما الله سبحانه فقد دعا لنفسه بالخلق
مكابرة، لكن نتنزل معك. الأدلة كثيرة، نكتفي بواحد منها.
وهو ضرورة كمال الخالق وتنزهه عن كل نقص.
وكيف يدل هذا على تفرد الخالق؟
إن كان الخالق متعدداً فإما أن أحدهم اختلف - ولو مرة - في شيء
ما، أو هم متفقون في كل شيء.إن كان قد اختلفوا، فأيهم لم يمض قوله
فليس برب، إذ القهر نقص، والنقص ممتنع في حق الخالق. فبط
، إن كان واحداً فقد تعين أنه وحده الخالق. وهو المطلوب والحمد لله.
فإن كان متعدداً، فهم متفقون لا اختلاف بينهم أبداً. وهي عين الصورة
الثانية. وهي إن كانوا متفقين دائماً لم يقهر أحدهم الآخر.
أحدهم لا حاجة إليه، إذ قد أغنى وجود الآخر عنه. وعليه فليس أحد منهم
رب، لأن الاستغناء عنه نقص في القيومية، والنقص ممتنع في حق
الخالق. وعليه نرجع إلى الاحتمال الأول، وهو عدم الخالق
فإذا لزم على هذا الاحتمال – وهو تعدد الخالق - باطل على كل حال،
كان باطلاً، ضرورة أن ما لزم منه باطل فهو باطل.
ثم نقول: بقي أن يكون الخالق متفرداً ولا مانع منه، فيتعين.
وبعد هذا لا بد من ملاحظة أمرين:
الأول: أن هذا الدليل العقلي مما أرشد إليه القرآن الكريم.
{ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ *
أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ }
، فهذا وجه حصر الاحتمالات.
{ الَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ
فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ }
وهذا دليل أن لم يدع الخلق أحد غير الله تعالى إلا بهت
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ
لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ }
فيه أن الله دعا لنفسه بالربوبية، وأن لا يقدر أحد أن يدعي نفسه رباً
إلا بهت بأن نتحداه بمخلوق حقير، فكيف بالسماوات والأرضين؟!
{ قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَة كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْش سَبِيلًا }
وهذا دليل امتناع التعدد للزوم العدم أو المغالبة.
{ وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ۚ
وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَىٰ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. }
وهذا فيه اشتراط كمال الصفات وكمال العزة في الرب الخالق.
الثاني: عذوبة القرآن أقنع العقول وشد القلوب بأسلوب سهل مختصر،
يفهمه العالم والجاهل. بينما كان أسلوب العقل أجاجاً يرغم العقل إرغاماً،
جافاً يقسي القلب، صعباً لا يفهمه كل أحد.
{ فبأي حديث بعده يؤمنون }
ومن هنا نعلم أن أقوم طريق للدعوة والاستدلال – ولو على الملاحدة –
{ وَلَا يَأْتُونَك بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاك بِالْحَقِّ وَأَحْسَن تَفْسِيرًا }