ومضاتسماح الإيمانية ( 011 )
من الآيات التي تقطع شجرة العجب من القلب:
{ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ
وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ
وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا }
يقول تعالى آمراً لهم بتدبر القرآن ناهياً لهم عن الإعراض عنه، وعن
تفهم معانيه المحكمة وألفاظه البليغة، ومخبراً لهم أنه لا اختلاف فيه ولا
اضطراب، ولا تعارض لأنه تنزيل من حكيم حميد فهو حق من حق،
{ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا }
{ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا }
أي لو كان مفتعلاً مختلقاً، كما يقوله من يقول من جهلة المشركين
والمنافقين في بواطنهم لوجدوا فيه اختلافاً، أي اضطراباً وتضاداً كثيراً،
وهذا سالم من الاختلاف فهو من عند اللّه،
كما قال تعالى مخبراً عن الراسخين في العلم حيث قالوا:
{ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا }
أي محكمه ومتشابهه حق، فلهذا ردوا المتشابه إلى المحكم فاهتدوا،
والذين في قلوبهم زيغ ردوا المحكم إلى المتشابه فغووا، ولهذا مدح تعالى
قال الإمام أحمد عن عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده قال:
( خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ذات يوم والناس يتكلمون
في القدر فكأنما يُفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب، فقال لهم:
( ما لكم تضربون كتاب اللّه بعضه ببعض، بهذا هلك من كان قبلكم )
،وعن عبد اللّه بن عمرو قال:
( هجّرت إلى رسول اللّه يوماً، فإنّا لجلوس إذا اختلف اثنان
في آية فارتفعت أصواتهما فقال: (إنما هلكت الأمم قبلكم
{ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ }
إنكار على من يبادر إلى الأمور قبل تحققها فيخبر بها ويفشيها وينشرها،
وقد لا يكون لها صحة، وقد قال مسلم في مقدمة صحيحه
عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال:
( كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع )
( من حدث بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين )
ولنذكر ههنا حديث عمر بن الخطاب المتفق على صحته حين بلغه أن
رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم طلق نساءه فجاء من منزله حتى دخل
المسجد فوجد الناس يقولون ذلك فلم يصبر حتى استأذن على النبي
صلى اللّه عليه وسلم فاستفهمه، أطلقت نساءك؟ فقال: (لا) فقلت:
اللّه أكبر وذكر الحديث بطوله.
وعن مسلم فقلت: أطلقتهن فقال: (لا)، فقمت على باب المسجد فناديت
بأعلى صوتي: لم يطلق رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نساءه،
{ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ
وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ }
فكنت أنا استنبطت ذلك الأمر، ومعنى يستنبطونه أي يستخرجونه من
معادنه، يقال: استنبط الرجل العين إذا حفرها واستخرجها من قعورها،
{ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا }
{ لاتبعتم الشيطان إلا قليلاً} يعني: كلكم واستشهد من نصر هذا القول
بقول الطرماح في مدح يزيد بن المهلب:
أشم، نديّ، كثير النوادي ** قليل المثالب، والقادحة
يعني لا مثالب له ولا قادحة فيه.
الله أكبر ..إذا تأملت أن المخاطب بهذا الصحابة رضي الله عنهم،
خفتَ أكثر، فإذا وفقت لطاعة أو علم أو عمل،فتذكر أنه ما منك شيء
ولا لك شيء، بل الكل فضل الله ورحمته.