الفرق بين الخوف والخشية في الاستعمال القرآني :
{ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ }
{ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً }
تفترق الخشية عن الخوف بأنها :
تكون عن يقين صادق بعظمة من نخشاه , وأما الخوف فيجوز أن
يحدث عن تسلط بالقهر والإرهاب .والخشية لا تكون إلا لله وحده دون
أي مخلوق .وتسند خشية الله في القرآن إلى الذين يبلغون رسالات ربهم
ومن اتبع الذكر, والمؤمنين والعلماء والذين رضي الله عنهم ورضوا عنه
الخشية: هي خوف يشوبه تعظيم، وأكثر ما يكون ذلك عن علم
بما يخشى منه، ولذلك خص العلماء بها في قوله :
{ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء }
{ وَأَمَّا مَن جَاءكَ يَسْعَى{8} وَهُوَ يَخْشَى{9}
{مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ }
{ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً }
{ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي }
{ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً }
{ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَ يَخْشَوْنَهُ
وَ لَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ }
{ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ
فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً }
أي: ليستشعروا خوفا من معرته ،
{ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ }
أي : لا تقتلوهم معتقدين مخافة أن يلحقهم إملاق، **
{ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ }
أي: لمن خاف خوفا اقتضاه معرفته بذلك من نفسه .
و انظر مفردات القرآن للأصفهاني 1/301.
متقاربان؛ إلا أن أهل العلم يقولون :
• إن الفرق أن«الخشية» لا تكون إلا عن علم؛ لقوله تعالى :
{ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء }
بخلاف «الخوف» : فقد يخاف الإنسان
من المخوف وهو لا يعلم عن حاله .
• والفرق الثاني : أن«الخشية»
تكون لعظم المخشيّ ؛ و«الخوف» لضعف الخائف ، و إن كان المخوف
ليس بعظيم، كما تقول مثلاً: الجبان يخاف من الجبان ـ يخاف أن يكون
شجاعاً،وعلى كل حال إن صح هذا الفرق فهو ظاهر؛ لكن الفرق الأول
واضح ؛ و هو أن «الخشية» إنما تكون عن علم .
و انظر تفسير الشيخ محمد العثيمين ـ رحمه الله
... والخشية تألم القلب لتوقع مكروه مستقبلا و تكون : ـ
* تارة بكثرة الجناية من العبد ، * وتارة بمعرفة جلال الله
وهيبته ومنه خشية الأنبياء ذكره ابن الكمال .
وانظر التوقيف على مهمات التعاريف لمحمد عبد الرؤوف المناوي .
والخشية لا تكون إلا بعد معرفته تعالى قال عز و جل :
{ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء }
وجعل الخشية غاية للهداية لأنها ملاك الأمر من خشي الله تعالى
أتى منه كل خير ومن أمن اجتر على كل شر...
وانظر تفسير أبي السعود الموسوم بـ
(إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم) .
قَالَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ ابن القيم
- رحمه الله - فِي شَرْحِ مَنَازِل ِالسَّائِرِينَ :
الْوَجَلُ وَالْخَوْفُ وَالْخَشْيَةُ وَالرَّهْبَةُ أَلْفَاظٌ مُتَقَارِبَةٌ غَيْرُ مُتَرَادِفَةٍ .
وَ قِيل َالْخَوْفُ اضْطِرَابُ الْقَلْبِ وَحَرَكَتُهُ مِنْ تَذَكُّرِ الْمَخُوفِ .
هَذَا سَبَبُ الْخَوْفِ لَا نَفْسُهُ .
وَقِيل َالْخَوْفُ هَرَبُ الْقَلْبِ مِنْ حُلُولِ الْمَكْرُوهِ عِنْدَ اسْتِشْعَارِهِ .
وَفِي مَتْنِ مَنَازِلِ السَّائِرِينَ :
الْخَوْفُ الِانْخِلَاعُ عَنْ طُمَأْنِينَةِ الْأَمْنِ بِمُطَالَعَةِ الْجَزَاءِ .
{ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء }
فَهِيَ خَوْفٌ مَقْرُونٌ بِمَعْرِفَةٍ .
** وَقَال َالنَّبِيّ ُصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
( إنِّي أَتْقَاكُمْ لِلَّهِ وَأَشَدُّكُمْ لَهُ خَشْيَة.)
فَالْخَوْفُ حَرَكَةٌ، وَالْخَشْيَةُ انْجِمَاعٌ وَانْقِبَاضٌ وَسُكُونٌ .
فَإِنَّ الَّذِي يَرَى الْعَدُوَّ وَالسَّيْلَ وَنَحْوَ ذَلِكَ لَهُ حَالَتَانِ :
إحْدَاهُمَا : حَرَكَتُهُ لِلْهَرَبِ مِنْهُ وَهِيَ حَالَةُ الْخَوْفِ .
وَالثَّانِيَةُ : سُكُونُهُ
وَقَرَارُهُ فِي مَكَان لَا يَصِلُ إلَيْهِ وَهِيَ الْخَشْيَةُ .
قَالَ وَأَمَّا الرَّهْبَةُ فَهِيَ : الْإِمْعَانُ فِي الْهَرَبِ مِنْ الْمَكْرُوهِ ،
وَهِيَ ضِدُّ الرَّغْبَةِ الَّتِي هِيَ سَفَرُ الْقَلْبِ فِي طَلَبِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ .
وَبَيْنَ الرَّهَبِ وَالْهَرَبِ تَنَاسُبٌ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى يَجْمَعُهُمَا الِاشْتِقَاقُ
الْأَوْسَطُ الَّذِي هُوَ عَقْدُ تَقَالِيبِ الْكَلِمَةِ عَلَى مَعْنًى جَامِعٍ .
فَرَجَفَانُ الْقَلْبِ وَانْصِدَاعُهُ لِذِكْرِ مَنْ يَخَافُ سُلْطَانَهُ وَعُقُوبَتَهُ أَوْ لِرُؤْيَتِهِ .
وَأَمَّا الْهَيْبَةُ فَخَوْف ٌمُقَارِنٌ لِلتَّعْظِيمِ وَالْإِجْلَالِ وَأَكْثَرُهَا تَكُونُ مَعَ
الْمَعْرِفَةِ وَالْمَحَبَّةِ .وَ الْإِجْلَالُ تَعْظِيم ٌمَقْرُونٌ بِالْحُبِّ .فَالْخَوْفُ لِعَامَّةِ
الْمُؤْمِنِينَ،وَالْخَشْيَةُ لِلْعُلَمَاءِ الْعَارِفِينَ، وَالْهَيْبَةُلِلْمُحِبِّينَ ، وَالْإِجْلَالُ
لِلْمُقَرَّبِينَ، وَعَلَى قَدْرِ الْعِلْمِ يَكُونُ الْخَوْفُ وَالْخَشْيَةُ
كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
( إنِّي لَأَعْلَمُكُمْ بِاَللَّهِ وَأَشَدُّكُمْ لَهُ خَشْيَة )
وَقَالَ ** لَو تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا ، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا ،
وَلَمَا تَلَذَّذْتُم بِالنِّسَاءِ عَلَى الْفُرُشِ ، وَلَخَرَجْتُمْ إلَى الصُّعُدَاتِ
تَجْأَرُونَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى } انْتَهَى .فَالْخَوْفُ سَوْطٌ يَسُوقُ الْمُتَمَادِيَ
،وَيُقَوِّمُ الْأَعْوَجَ،وَيُلَيِّنُ الْقَاسِيَ،وَيُطَوِّعُ الْمُسْتَصْعِبَ .وَلَيْسَ هُو مَقْصُودًا
لِذَاتِهِ بِخِلَافِ الرَّجَاءِ ،فَمِنْ ثَمّ يَنْبَغِي أَنْ يُرَجَّحَ عَلَى الْخَوْفِ .