في القرآن الكريم نقرأ قوله عز وجل:
{وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ
وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ }
(الرباني) نسبة إلى الرب سبحانه؛
لأن النسب إلى الشيء إنما يكون لمزيد اختصاص المنسوب بالمنسوب
إليه، وزيادة الألف والنون فيه للدلالة على كمال هذه الصفة. والمروي
عن ابن عباس رضي الله عنهما في المراد من قوله:
{ربانيين} قال: كونوا علماء وحكماء، وعن الحسن : يعني كونوا أهل
عبادة، وأهل تقوى. أي: أمرهم أن يكونوا مخلصين لله دون غيره،
عالمين به، ومواظبين على طاعته. وقد ذكر أبو عبيدة أن وصف
{ربانيين} يدل على الإنسان الذي علم، وعمل بما علم،
وهذه النسبة إلى الله تعالى تتضمن أنواراً يتخلق بها المؤمن:
أولها: ألا يعبد إلا الله وحده، فيكون بعقله وقلبه وأحاسيسه
خالصاً لله سبحانه، ولا يشرك به أحداً سواه.
ثانيها: ألا يعرف حقيقة شرع إلا عن الله، فلا يوسط في تعرفها عباداً لهم
أهواء وشهوات، يحرفون الكلم عن مواضعه، إلا أن يكونوا ذوي فهم في
كتاب الله تعالى، قد حُرِم هو منه، فيستعين بهم على فهم كتابه سبحانه،
لا أن يأخذ أقوالهم على أنها دين الله.
ثالثها: ألا ينفذ من الأحكام إلا أحكام الرب سبحانه وتعالى.
رابعها: أن تكون أعماله كافة خالصة لوجه الله، فلا يماري،
خامسها: أن يخضع للحق لذات الحق، وقد بين سبحانه كيف تتربى
الربانية في نفس المؤمن، فذكر أنها علم الكتاب المنزل، والعكوف
وإضافة (الصوم) إلى (الربانية) يفيد أنه عبادة لها ما يميزها عن غيرها
لهذا قوله صلى الله عليه وسلم:
( يقول الله عز وجل: الصوم لي، وأنا أجزي به )
فالإضافة هنا إضافة تشريف وتعظيم، كما يقال: بيت الله، وإن كانت
"التخصيص في موضع التعميم في مثل
هذا السياق لا يُفهم منه إلا التعظيم والتشريف".
وقال الحافظ ابن حجر في معنى إضافة الصوم إليه سبحانه:
"أن الصيام لم يُعبد به غير الله بخلاف الصلاة والصدقة والطواف ونحو ذلك".
أن الصائم أبعد ما يكون عن صفة الرياء؛ لأن المرائي يقدر أن يفطر سراً؛
ولأن الصوم لا يقع إلا بالنية، والمرائي غير ناوٍ للصيام؛ ولأنه سر بين
العبد وربه، لا يعلمه إلا الله سبحانه.
يتلقى فيها المسلم دروس الأخلاق، ويتربى فيها على جميل الطباع،
وحميد السلوك، وما أطيب أن يتعهد المسلم نفسه في هذا الشهر،
ويحملها على جميل الأخلاق، ومحاسن العادات.
وربانية الصوم تستدعي من الصائم أن يتصف بجميل الصفات،
فهي تستدعي منه إخلاص العبادة والعمل لله سبحانه، بحيث تكون عباداته
كافة خالصة لوجهه تعالى، وليس لأحد فيها شيء؛
{قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }
يغض بصره عن كل ما حرم الله؛ إذ الصوم ليس صوماً عن الطعام
والشراب فحسب، بل هو أيضاً صوم عن كل ما حرم الله.
حفظ اللسان عن الغيبة، والنميمة، والكلام فيما لا يعني، بحيث يكون
شعاره قوله صلى الله عليه وسلم:
( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً، أو ليصمت )
عدم تضيع الأوقات، وهدرها فيما لا طائل منه،
وقد قال صلى الله عليه وسلم:
( لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه )
رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
أن يحب لإخوانه ما يحب لنفسه،
وقد قال صلى الله عليه وسلم:
( لا يؤمن أحدكم، حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه )
أن يدع قول الزور والعمل به،
وقد قال عليه الصلاة والسلام:
( من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة
فهذه المعاني والصفات وغيرها من السلوكيات والأعمال ينبغي على
الصائم أن يأخذ نفسه بها في أيامه كافة، وأحواله كلها، لكنها آكد ما تكون
في شهر رمضان؛ كي يكون صيامه ربانيًّا، ويتحقق فيه وصف (الرباني).