-2-
بعد أن عرفنا الشكر ومنزلته بقي أن نتعرف على الصبر. ما هو الصبر ؟
الصبر: اسم لغالب فعل الإنسان الممدوح ويختلف باختلاف مواقعه.
* فإن كان حبس النفس [ ] لمصيبة سُمي صبرًا
* وإن كان في محاربة سُمي شجاعةً
* وإن كان إمساك الكلام سُمي كتمانًا
* وإن كان عن فضول العيش سُمي زهدًا
* وإن كان عن شهوة الفرج سُمي عفةً
* وإن كان عن شهوة طعام سُمي شرف النفس
* وإن كان عن إجابة داعي النفس [ ] عند الغضب سُمي حلمًا
فكل هؤلاء صبروا.. وعليه يتبين أن غالب أحوال الإنسان الشريفة ما هي إلا صبر.
مكانة الصبر [ ] في الدين:
-ذكر الله [ ] الصبر [ ] في كتابه في أكثر من تسعين موضعًا.
-وقرنه بالصلاة، قال تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ}[البقرة: 45[.
-وجعلت الإمامة في الدين موروثة بسبب الصبر [ ] واليقين،قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}[السجدة: 24[.
وما أعطي أحد عطاء خيراً وأوسع من الصبر.
والمصابرة أعلى درجة من الصبر، وتكون بالمثابرة في إنجاز الأعمال
وعدم اليأس من إنجازها، واعلم أنه مهما استمر العبد في العمل وفي نفسه يأس
فسينقطع عنه إلا ولا بد. ثم إن انتظار الفرج الموعود في حد ذاته عبادة.
لأن هذا الانتظار ما هو إلا توكل (إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)[التوبة: 120].
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
{واعلم أن النصر مع الصبر [ ] وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا} رواه أحمد والترمذي .
فمهما ضاقت بك الأمور تذكر أن انتظار الفرج عبادة. فعندما تنتظر عودة غائب،
أو صلاح زوج أو ولد؛ كل هذا الانتظار مع التوكل على الله في حد ذاته عبادة.
العلاقة بين الشكر والصبر:
بعد أن عرفنا كلا من الصبر والشكر بقي أن نعرف العلاقة بينها...
فالصبر يستلزم الشكر ولا يتم إلا به و بالعكس، متى ذهب أحدهما ذهب الآخر.
(فمن كان في نعمة ففرضه الشكر والصبر)
أما الشكر فواضح، وأما الصبر فعن المعصية. لأن النعم توقع البطر في القلب
فيستخدم هذه النعمة في معصية المنعم، والذي يعصي ربه لا يعصيه إلا بنعمه عليه،
إذ أنه لا يتصور من عبد أن يرى ما حرم الله إلا بنعمة البصر
، ولا يسمع ما حرم الله إلا بنعمة السمع، ولا يتفوه بما حرم الله إلا بنعمة اللسان... وهكذا.
(ومن كان في بلية ففرضه الصبر والشكر)
أما الصبر فواضح، وأما الشكر فبالقيام بحق الله في تلك البلية
.لأن العبد مع عظم المصيبة قد ينسى حق الله، بأن ينشغل عن طاعة الله بتلك المصيبة،
كأن يبتلى بفقد عزيز، فمن شدة الحزن والألم يغفل عن فريضة الصلاة مثلاً،
أو لا يتصرف على منهج الشريعة في تلك المصيبة كالنياحة.
فالشكر إذن له وجهان عند المصيبة:
1-عدم الانشغال عن طاعة الله في تلك المصيبة.
2-أن يتصرف وفق منهج الشريعة في تلك المصيبة.
فإن لله على العبد عبودية في البلاء، كما له عليه عبودية في النعماء.
ما العلاقة بين الشكر والصبر [ ] ورمضان؟
يقول الله تبارك وتعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[البقرة:185[.
ففي سياق الكلام عن فرضية صيام هذا الشهر الكريم،
وإنزال القرآن فيه؛ أمرنا الله بشكره والتكبير عند انتهائه.
وأما الصبر؛ فقد سمي رمضان بشهر الصبر لاشتماله على أنواع الصبر الثلاثة
– الصبر على طاعة الله، وعن معصية الله، وعلى أقدار الله –
لذلك قال الله في الحديث القدسي: "كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به".
يتبع