كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ
{ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ }
{ فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50)
فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51) بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً (52) }
كأنهم في نفارهم عن الحق، وإعراضهم عنه حُمُر من حمر الوحش إذا
فرت ممن يريد صيدها من أسد، قاله أبو هريرة، وابن عباس -في رواية-
عنه وزيد بن أسلم، وابنه عبد الرحمن ، وهو رواية عنابن عباس، وهو
وقال حماد بن سلمة، عن علي بن زيد،
عن يوسف بن مهران عن ابن عباس:
الأسد، بالعربية، ويقال له بالحبشية: قسورة.
وتحت المستنفرة معنى أبلغ من النافرة فإنها لشدة نفورها قد استنفر
بعضها بعضا وحضه على النفور فإن في الاستفعال من الطلب قدرا زائدا
على الفعل المجرد فكأنها تواصت بالنفور وتواطأت عليه ومن قرأها بفتح
الفاء فالمعنى أن القسورة استنفرها وحملها على النفور ببأسه وشدته .
شبههم في إعراضهم عن القرآن واستماع الذكر والموعظة
وشرادهم عنه بحمر جدت في نفارها مما أفزعهم .
قال البغوى فى تفسير قوله تعالى:
{ فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50)
فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51) بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً (52) }
{ فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ }
نصب على الحال، وقيل صاروا معرضين.
قرأ أهل المدينة والشام بفتح الفاء، وقرأ الباقون بكسرها، فمن قرأ بالفتح
فمعناها منفرة مذعورة، ومن قرأ بالكسر فمعناها نافرة، يقال: نفر
واستنفر بمعنى واحد، كما يقال عجب واستعجب.
{ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ }
قال مجاهد وقتادة والضحاك:
"القسورة": الرماة، لا واحد لها من لفظها، وهي رواية عطاء
عن ابن عباس، وقال سعيد بن جبير: هم القناص وهي رواية عطية
[هم] رجال أقوياء، وكل ضخم شديد عند العرب: قسور وقسورة. وعن
أبي المتوكل قال: هي لغط القوم وأصواتهم. وروى عكرمة
عن ابن عباس قال: هي حبال الصيادين.
هي الأسد، وهو قول عطاء والكلبي، وذلك أن الحمر الوحشية إذا عاينت
الأسد هربت، كذلك هؤلاء المشركين إذا سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم
هي ظلمة الليل، ويقال لسواد أول الليل قسورة.
{ بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً }
إن كفار قريش قالوالرسول الله صلى الله عليه وسلم ليصبح عند رأس
كل رجل منا كتاب منشور من الله أنك لرسوله نؤمر فيه باتباعك
إن المشركين قالوا: يا محمد بلغنا أن الرجل من بني إسرائيل كان يصبح
مكتوبا عند رأسه ذنبه وكفارتهُ فَأْتِنَا بمثل ذلك "والصحف" الكتب،
وهي جمع الصحيفة، و"منشَّرة" منشورة.