ثانيًا: في السُّنَّة النَّبويَّة
عن أبي هريرة رضي الله عنه،
أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
( ليس الشَّديد بالصُّرَعَة، إنَّما الشَّديد الذي يملك نفسه عند الغَضَب )
[ فيه كَظْم الغَيْظ، وإمْسَاك النَّفس عند الغَضَب عن الانتصار
[ ...( ليس الشَّديد بالصُّرَعَة )
بضمٍّ، فَفَتْح، مَن يَصْرَع النَّاس كثيرًا، أي: ليس القَوِيُّ من يقدر
على صَرْع الأبطال مِن الرِّجال.
على الحقيقة. الذي يملك نفسه عند الغَضَب.
أي: إنَّما القوىُّ -حقيقةً- الذي كَظَم غَيْظَه عند ثَوَرَان الغَضَب،
وقاوَم نفسه، وغَلَب عليها، فحوَّل المعنى فيه من القُوَّة الظَّاهرة إلى الباطنة ]
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
( ما من جَرْعَةٍ أعظم أجرًا عند الله،
مِن جَرْعَةِ غَيْظٍ كظمها عبد ابتغاء وجه الله )
ما مِن جَرْعَةٍ أعظم أجرًا عند الله تعالى مِن جَرْعَة غَيْظٍ، كَظَمَها عبدٌ.
مع القُدْرَة على التَّنفيذ، شبَّه جَرْع غَيْظِه وردَّه إلى باطنه بتجرُّع الماء،
وهي أحبُّ جَرْعةٍ يتجرَّعها العبد، وأعظمها ثوابًا،
وأرفعها درجةً لحَبْس نفسه عن التَّشَفِّي،
ولا يحصل هذا العِظَم إلَّا عند القُدْرة على الانتقام،
وبكفِّ غضبه لله تعالى، ابتغاء وجه الله تعالى
وعن سهل بن معاذ بن أنس الجهني، عن أبيه،
عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال:
( مَنْ كظم غيظًا، وهو يستطيع أن يُنفذه، دعاه الله يوم القيامة
على رءوس الخلائق، حتى يخيِّره في أيِّ الحور شاء )
لأنَّه قهر النَّفس الأمَّارة بالسُّوء، والنَّفس مجبولة -في مثله- على الانتقام،
والمجازاة بالإساءة. ولذا كان ذلك مِن آداب الأنبياء والمرسلين،
ومِن ثمَّة خدَم أنسٌ المصطفى عشر سنين فلم يَقُل له في شيء فعله:
لِمَ فعلته ؟ ولا في شيء تركه: لِمَ تركته ؟ حتى يخيِّره في أي الحور شاء.