أين ذهب الحياء في هذا الزمان ؟
أيتها الفتاة ماهو "الحياء".
وقد تساءلت في نفسي لماذا قل الحياء بين الفتيات؟
يقول الشاعر:وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوده أبوهويقول
آخر:إن الغصون إذا قومتها اعتدلت ولن تلين إذا كانت من الخشب.
وكثرة احتكاك الفتاة بالفتى في المجالات المختلفة كالجامعة والعمل.
من مخالطة من قل حياؤهم أو تكررت رؤيتهم سواء كان ذلك ناتجًا عن
السفر إلى الخارج أو عن طريق كثرة متابعة وسائل الإعلام أو غير ذلك
فإن الأخلاق حسنها وسيئها تكتسب بالمخالطة.
من بيتها أو الصحبة الفاسدة أو الغرق في المعاصي .وأقول أخيرًا إنني
أرجع قلة الحياء عند الفتيات إلى ضعف الإيمان والجهل بمعنى الحياء.
تعالي معي أيتها الفتاة لنقف أمام هذا المشهد القرآني الجميل الذي تجسده
لنا الآية الكريمة في سورة القصص
{ فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ }
مشية الفتاة الطاهرة الفاضلة العفيفة النظيفة حين تلقى الرجال 'على
استحياء' في غير ما تبذل ولا تبرج ولا تبجح ولا إغواء جاءته لتنهي إليه
دعوة في أقصر لفظ وأخصره وأدله يحكيه القرآن بقوله:
{ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا }
(لم تقل له: أحب أن أتعرف عليه ما اسمك؟أنا اسمي كذا).
فمع الحياء الإبانة والدقة والوضوح لا التلجلج والتعثر والربكة وذلك كله
من إيحاء الفطرة النظيفة السليمة المستقيمة فالفتاة القويمة تستحي
بفطرتها عند لقاء الرجال والحديث معهم ولكنها لثقتها بطهارتها
واستقامتها لا تضطرب الاضطراب الذي يطمع ويغري ويهيج إنما
تتحدث في وضوح بالقدر المطلوب ولا تزيد.
أيتهاالفتاة المسلمة:ما معنى الحياء؟
هل هو خلق مكتسب أم غريزي؟
هل يمكن لمن لا حياء عنده أن يملك
من الحياء ما يردعه عن المعاصي؟
وأخيرًا كيف نغرس الحياء في نفوسنا؟
وقبل الإجابة عن هذه الأسئلة هناك قاعدة عريضة توضحها لنا آية من
كتاب الله أنه لابد من حاجز بين العبد وبين المعصية
وهذه الآية هي قوله تعإلى:
{ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى[40]
فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى }
فتوضح لنا الآية شقين أساسيين هما:
1ـ خوف من مقام الله تعإلى.
2ـ نهي للنفس وزجر لها عن هواها متى خالف أمر الله تعإلى وهذا الشق
الثاني يكون عن طريق زراعة موانع وبناء حواجز داخل النفس ترفع
مستوى تحكم وسيطرة الإنسان على نفسه ولذا كانت العناية الربانية
ثم النبوية بهذا البناء عظيمة
كما جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق )
ولقد روى ابن ماجة في سننه وحسنه الألباني
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
( إن لكل دين خلقًا وخلق الإسلام الحياء )
الحياء كما عرفه أهل العلم في اللغة هو انقباض وانزواء وانكسار في
النفس يصيب الإنسان عند الخوف من فعل شيء يعيبه.والحياء مشتق من
الحياة ولذا قال بعض الفصحاء حياة الوجه بحيائه كما أن حياة الغرس
بمائه. كما عرّفه علماء الشريعة بأنه خلق يبعث على ترك القبيح ويمنع
من التقصير في حق ذي الحق أو هو الامتناع عن فعل ما يعاب.
وأخيرًا وهذا مرادنا هنا هو نهي النفس عن القبيح (وهو كل ما يغضب الله تعإلى).
ونتساءل الآن هل الحياء خلق مكتسب أم غريزي؟
الحياء نوعان غريزي ومكتسب:
هو الذي جعله الله تعإلى من الإيمان وهو المكلف به (وهذا النوع عليه
مدار حديثنا) ومن كان فيه غريزة من الحياء فإنها تعينه
لقد جاءت النصوص النبوية تؤكد على أن خلق الحياء من الإيمان في
عن أبي هريرة رضي الله عنه،
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
( الإيمان بضع وسبعون شعبة والحياء شعبة من الإيمان )
( الحياء لا يأتي إلا بخير )
( الحياء خير كله أو كله خير )
( الحياء من الإيمان والإيمان في الجنة )
فلماذا جُعِلَ الحياء من الإيمان؟
قال القاضي عياض وغيره من الشراح:
إنما جعل الحياء من الإيمان وإن كان غريزة لأن استعماله على قانون
الشرع يحتاج إلى قصد واكتساب وعلم وأما كونه خيرًا كله ولا يأتي
إلا بخير فأشكل حمله على العموم لأنه قد يصد صاحبه عن مواجهة من
يرتكب المنكرات ويحمله على الإخلال ببعض الحقوق والمراد بالحياء في
هذه الأحاديث ما يكون شرعيًا والحياء الذي ينشأ عن الإخلال بالحقوق
ليس حياءً شرعيًا بل هو عجز ومهانة وإنما يطلق عليه حياء لمشابهته
للحياء الشرعي، والحياء الشرعي هو خلق يبعث على ترك القبيح ومعنى
يحتمل أن يكون المعنى: من كان الحياء من خلقه فإن الخير يكون فيه
أغلب أو لكونه إذا صار عادة وتخلق به صاحبه يكون سببًا لجلب الخير
له.عزيزتي الفتاة المسلمة:عن أبي مسعود قال:
قال النبي صلى الله عليه وسلم
( إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى:
إذا لم تستح فافعل ما شئت )
وفي شرح هذا الحديث في كتاب فتح الباري يقول:
( إن الذي يكف الإنسان عن مواقعة الشر هو الحياء فإذا تركه صار
كالمأمور طبعًا بارتكاب كل شر وقيل: هو أمر تهديد أي إذا نزع منك
الحياء فافعل ما شئت فإن الله مجازيك عليه وفيه إشارة إلى