مقاصدية نشر الأمن في تشريعات الإسلام
الأمن مبدأ من المبادئ العامة :
التي عنى بها الإسلام عناية واضحة في اسمه الدال عليه، وفي مضمونه
وما يدعو إليه، ذلك لما يتضمنه من سكون القلب والطمأنينة والسكينة؛
ولما يشيعه في النفس الإنسانية وفي الأسرة البشرية من معاني المودة
والرحمة، وما يهيؤه من أجواء قابلة للعيش الكريم، ووجدنا تعميق
الإسلام لهذا المبدإ المحقق لهذه المعاني في توجيهات القرآن الكريم
وفيما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم يلوح في مظاهر عدة؛ فمن
ناحية الأمن الجنائي – والذي دائما ما يتم التركيز عليه – نجد أن الإسلام
قد حمى المجتمع من الوقائع الإجرامية التي تفت في عضده وتفكك
أواصره بتشريع الحدود وهي عقوبات مقدرة شرعا تتنوع بحسب أحوال
الجرم المرتكب؛ حيث تنتظم هذه الوقائع والجنايات في مراتب خمس
أولا: الجناية على الأبدان والنفوس والأعضاء وهي المسماة:
ثانيًا: الجناية على الفروج وهي المسماة: (زنى وسفاحًا).
ثالثًا: الجناية على الأموال؛ وهذه ما كان منها مأخوذ بالقوة سمي
(حرابة) إذا كان بغير تأويل، وإن كان بتأويل سمي (بغيًا)، وإن كان
مأخوذًا على وجه الخفية من حرز سمي (سرقة)، وما كان مأخوذًا بعلو
مرتبة وقوة سلطان سمي (غصبًا).
رابعا: الجناية على الأعراض، وهي المسماة: (قذفًا).
خامسًا: الجناية بالتعدي على استباحة ما حرمه الشرع من المأكول
والمشروب، كـ (شرب الخمر).
بهذا السياج المنيع حمى الإسلام الأمن المجتمعي ورتب العقوبات الرادعة
على ألئك الذين يحاولون العبث به، إلا أن المتأمل في نظرة الإسلام للأمن
يجد أنها تأخذ أبعادا أعمق من البعد الظاهري حيث إن المجتمع في
النظرية الإسلامية يجب أن تتوافر فيه حالتان:
وهما الكفاية الغذائية بحيث لا يبقى جوعان، واستتباب الأمن بحيث
لا يبقى خائف، فَهِمْنا هذا و نحن نتدبّر قول الله عز وجل موجها اللّوم
والعتاب إلى المجتمع القرشي؛
{ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ
فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ }
ونصوص الوحيين – الكتاب والسنة – حافلة بالتأكيد على مقصدية هذين
الأمرين في الإسلام؛ حيث ما فتئ النبي صلى الله عليه وسلم يؤكد
لأصحابه حتى في أحلك الظروف وأقساها أن الأمن سينتشر وسيمد
شراعه ليشمل الداني والقاصي من الأرض؛ فقد روي أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكثوا عشر سنين خائفين ولما هاجروا
كانوا بالمدينة يصبحون في السلاح ويمسون فيه حتى قال رجل ما يأتي
علينا يوم نأمن فيه ونضع فيه السلاح
( لا تغبرون إلا يسيرا حتى يجلس الرجل منكم
في الملأ العظيم محتبيا ليس فيه حديدة )
[أخرجه الطبري وصححه الحاكم]
وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
( لتخرجن الظعينة من المدينة حتى تدخل الحيرة لا تخاف أحدا )
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
( والله لَيُتِمَّنَّ اللهُ هذا الأمرَ حتى يَسيرَ الراكبُ من صنعاءَ إِلى حَضْرَمَوْتَ،
لا يخاف إِلا اللهَ والذئبَ على غنمه، ولكنَّكم تستعجلون ).
أما عن الأمن الغذائي فقد أكد القرآن أن الهلع من المستقبل والخوف
من قادم الأيام وتوقع الفقر وتناقص موارد الرزق إنما هو محض وسواس
من الشيطان وأن منهج الله ووعده الرباني الصريح يضمنان لمن التزم
منهجه المغفرة من عنده والفضل العظيم العميم الذي يشمل بجزئياته
توفير الأمن الغذائي وضمان الاستقرار النفسي
{ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ
وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }
وفي جانب التشريع القانوني فتح الإسلام عددا من النوافذ تضمن – إذا
طبقت على وجهها الصحيح – الأمن الغذائي للأمة بأسرها، يأتي في
- فريضة الزكاة – ثالث أركان الإسلام -
- وفضيلة التصدق واستحباب الإيلام ( الولائم ) وصناعة المؤدبات
- والندب إلى إعانة الضعفاء والتأكيد على حقوق الفقراء
- وترتيب الإثم على عدم مواسات الجيران والأقارب في الحالات
- وتناسب زيادة الإيمان ونقصانه بتضامن الفرد مع المجتمع من حوله؛
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
( ليس بالمؤمن الذي يبيت شبعانا وجاره جائع إلى جنبه )
- كذلك حفز الإسلام موارد ومصادر توفير الغذاء لكل أطياف المجتمع
بالتشجيع على إنتاج وبذل الغذاء مع ضمان الأجر على كل ما يبذل فيه؛
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم
لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه:
( إنك لن تنفق نفقة تبتغى بها وجه الله إلا أجرت بها
حتى ما تجعل في في امرأتك )
بل إن نصوص السنة النبوية ترتب الأجر على ما هو أبعد من ذلك حيث
( ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه طير
أو إنسان أو بهيمة، إلا كان له به صدقة )
( ما من مسلم يغرس غرسا إلا كان ما أكل منه له صدقة،
وما سرق منه صدقة، وما أكل السبع فهو له صدقة، وما أكلت
الطير فهو له صدقة، ولا يرزؤه أحد إلا كان له صدقة )