وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا
{ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ }
ليصلوا إليه ; ويتصلوا به . الذين احتملوا في الطريق إليه ما احتملوا
الذين صبروا على فتنة النفس
وعلى فتنة الناس . الذين حملوا أعباءهم وساروا في ذلك الطريق الطويل
الشاق الغريب . .أولئك لن يتركهم الله وحدهم ولن يضيع إيمانهم , ولن
ينسى جهادهم . إنه سينظر إليهم من عليائه فيرضاهم .وسينظر إلى
جهادهم إليه فيهديهم . وسينظر إلى محاولتهم الوصول فيأخذ بأيديهم .
وسينظر إلى صبرهم وإحسانهم فيجازيهم خير الجزاء
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
( اغتنم خمسا قبل خمس ، شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك
وغناك قبل فقرك ، وفراغك قبل شغلك ، وحياتك قبل موتك )
نظرا لأهمية لحظة الموت في المراحل الانتقالية للإنسان من حال إلى حال
فقد أولاها القرآن عناية ملموسة في كثير من آياته . وقد جاءت أربع آيات
{ فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ }
( الواقعة : 83) { كَلاَّ إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ }
( القيامة : 26 ) { وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُوْنَ فِيْ غَمَرَاتِ الْمَوْتِ
وَالْمَلاَئِكَةُ بَاسِطُوْا أَيْدِيْهِمْ أَخْرِجُوْا أَنْفُسَكُمُ }
( الأنعام :93 ) { وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ }
(ق :19 ) وقد جاءت الأحاديث النبوية كذلك موضحة للحظة الموت وسكراته
وتروى لنا عائشة رضي الله عنها انطباعاتها
عند موت الرسول صلى الله عليه و سلم فتقول :
( مات النبي صلى الله عليه و سلم وإنه لبين حاقنتي )
الجزء من الجسم المطمئن بين الترقوة
و الحلق) واقنتي ( نقرة الذقن ) ،
( فلا أكره شدة الموت لأحد أبدا بعد النبي )
( رواه البخاري في صحيحه في كتاب المغازى
باب مرض النبي ووفاته 83 )
وقالت السيدة عائشة أيضا :
( إن رسول الله ÷ كان بين يديه ركوة أو علبة فيها ماء فجعل
يدخل يديه في الماء فيمسح بها وجهه ويقول :
(( لا إله إلا الله إن للموت سكرات )
ثم نصب يده فجعل يقول : (( في الرفيق الأعلى ))
( رواه البخاري أيضا في صحيحه في كتاب الرقاق
فانظر أخي المؤمن كيف كانت سكرات الموت شديدة
على الحبيب المصطفى وهو النبي المرسل
وما جرى على النبي محمد صلى الله عليه و سلم من شدائد الموت
وسكراته ،وأيضا على غيره من الأنبياء والمرسلين ، فيه فائدة عظيمة ،
هي أن يعرف الخلق مقدار ألم الموت ، وأنه باطن ، وقد يطلع البعض
على المحتضر فلا يرى عليه حركة ،ولا قلقا ، ويرى سهولة خروج روحه
، فيغلب على ظنه سهولة أمر الموت ، ولا يعرف حقيقة الموقف الذي فيه
الميت . فلما ذكر الأنبياء الصادقون في خبرهم : شدة ألمه _ مع كرامتهم
على الله وتهوينه على بعضهم ، قطع الخلق بشدة الموت الذي يعانيه
ويقاسيه الميت مطلقا لإخبار الصادقين عنه ، عدا الشهيد قتيل الكفار
كيف أن الأنبياء والرسل وهم أحباب الله ،
يقاسون هذه الشدائد والسكرات ، مع أن الله قادر
إن أشد الناس بلاء في الدنيا الأنبياء ، ثم الأمثل ، فالأمثل _
فأراد الله أن يبتليهم تكميلا لفضائلهم لديه ، ورفعة لدرجاتهم عنده ،
وليس ذلك في حقهم نقصا ولا عذابا.بل هو كمال ورفعة ،مع رضاهم
بجميل ما يجرى الله عليهم ، فأراد الله سبحانه أن يختم لهم
بهذه الشدائد ،مع إمكان التخفيف والتهوين عليهم ، ليرفع منازلهم ،
فقد ابتلى الله إبراهيم بالنار، وموسى بالخوف، والأسفار، وعيسى
بالصحار ، والقفار، ومحمد بالفقر في الدنيا ومقاتلة الكفار؛ كل ذلك لرفعة
في أحوالهم، وكمال في درجاتهم ، ولا يفهم من هذا أن الله شدد
عليهم أكثر مما شدد على العصاة المخالفين فإن ذلك عقوبة لهم،ومؤاخذة
على إجرامهم ؛ فلا وجه للشبه بين هذا وذاك .وكل المخلوقات يحدث لها
عند الموت هذه السكرات ، لا فرق بين علوي وأرضى، ولا جسماني
ولا روحاني فالجميع يشرب من ذلك الكأس جرعته ، ويغتص منه غصته،
{ كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ }
(آل عمران :185 ) ---- اللهم ارحمنا وهون علينا من سكرات الموت ---