كيف يتصل الطفل بالآخرين                    ؟
يلجأ الطفل إلى الاتصال بالآخرين منذ أيامه الأولى عن                    طريق البكاء 
أو الابتسام ، والحقيقة أنَّ عدم قدرة الطفل على                    الحركة والكلام خلال 
السنة الأولى من عمره يمنعه من لفت انتباه الآخرين                    إليه ، وشرح 
رغباته لهم ، فعن طريق البكاء والابتسام يتمكَّن                    الطفل من التفاعل
 مع                    البيئة التي يعيش فيها ، ويستخدم هذه الأشكال من الاتصال ،                    ليُجيب 
عن المنبهات والدوافع التي يتلقاها من الوسط المحيط                    به .
وهو لا يملك أيَّة وسيلة أخرى للاتصال غير البكاء ،                    عدا ما يرتسم 
على وجهه من تعابير ، ولذلك ينبغي لأمه أن تعرف كيف                    تفسِّر صراخه .
في الواقع أن بكاء الطفل يؤدي غرضاً أساسياً ، وهو                    دعوة الناس
إلى الاقتراب منه ، لأنها الوسيلة الوحيدة المتاحة                    للوليد من أجل إشعار 
الآخرين بحاجاته الجسميَّة أو العاطفية ، ومن الممكن                    تقسيم البكاء الذي 
يلجأ الطفل إليه بعد الولادة مباشرة إلى أنواع ثلاثة                    :
وهو يتميَّز بطابع منخفض غير منتظم يأخذ بالارتفاع                    والانتظام ، ويرتبط 
هذا النوع من البكاء في معظم الأحوال بالجوع ، أو                    بالانزعاج الجسمي ، 
الناجم عن الحرارة أو البرد مثلاً                    .
وهو يتمثل في نشج غاضب يتميَّز عن النوع الأول بطول                    مدَّته ، 
وينشأ عن عدم قدرة الطفل على تحريك نفسه حسبما يرغب                    .
وهو يرتبط بالألم ، ولذلك ينبغي للأم أن تعرف كيف                    تميِّز هذا النوع
 من                    البكاء ، إذ ربَّما تطلَّب حضور طبيب ، والبكاء المرتبط بالألم                    يبدأ 
بصورة فجائية وبصوت عال ويعقبه لهاث قصير                    .
والطفل لا يختار النوع المناسب من البكاء للإفصاح عن                    ذاته ، فهو
 لم                    يكتسب القدرة على ذلك بعد ، بل هو يكتفي بالتفاعل بطرق مختلفة ،                    
بحسب الظروف التي تثيره ، وذلك لإشعار الآخرين                    باعتراضه المسموع 
على الجوع والظمأ والبرد والحرِّ والألم ، فالطفل                    يهدف أن ينقل بغرائزه 
إلى الآخرين رسالة ينبغي تفسيرها بصورة صحيحة ، حتى                    يتمكن 
الآخرون من مساعدته قدر المستطاع                    .
يُعدُّ البكاء اللغة الأولى للطفل                    ،
 إذ حتى                    لو لم يكن البكاء معبِّراً عن شيء خاص بصورة دقيقة ، فهو يعد                    
دائماً شكلاً من أشكال الالتماس ، ولذلك من المستحسن                    الإسراع إلى 
الطفل بغية مراقبته ، ومعرفة سبب بكائه ، وفي البداية                    يكون البكاء تلقائياً 
معبراً عن مجموعة من المنبهات العضوية التي تدفع                    الطفل 
إلى الانفجار بالبكاء دون ما سبب معيَّن .وبمرور                    الزمن ، وبعد أن يهرع 
أبواه مراراً لإرضاء حاجاته ، يكتسب بكاؤه طابعاً                    معيَّناً ، وينشأ إذ ذاك 
عن قصد معيَّن تثيره معرفة الطفل للنتائج التي يؤدِّي                    إليها بكاؤه ، وعلى 
الأم أن لا تلجأ إلى إخراج طفلها من مهده وحمله عندما                    يطلق صوته في 
البكاء فحسب ، فهذا خطأ ترتكبه الأم ، لأنها بذلك                    تغرس في نفسه فكرة
خاطئة ، مفادها : أن البكاء وحده هو سبيله للاتصال                    بأبويه .
وفي الحقيقة أن هناك آراء متعدِّدة في التعامل مع                    الطفل الباكي ، فمن 
الناس من يرى أن يترك الطفل يبكي ، وحجَّتهم في ذلك                    أن الهرع إليه 
بصورة مستمرة قد يفسده ، وهناك فريق آخر من الأمَّهات                    يستبد الخوف 
الشديد بهنَّ لدى بكاء الطفل ، فيبذلن كل ما في وسعهن                    لتلبية حاجاته .
والقول الفصل في ذلك - كما هو الحال دائماً - أن خير                    الأمور أوسطها ، 
وهذا ما أثبتته التجربة ، فلا بأس في التعرف على                    أسباب البكاء 
عند الطفل قدر المستطاع ، ولكن ينبغي عدم مواساته                    ساعات طويلة
 بعد                    إرضاء حاجاته الأساسية .
أما النوع الآخر من أشكال الاتصال ، الذي يلجأ الطفل                    إليه فهو الابتسام ، 
والابتسامة هي استجابة اجتماعية خاصة ، والطفل لا                    يلجأ إليها لإيجاد 
الاتصال مع الآخرين ، بل للمحافظة على هذا الاتصال                    .فالأم تزيد
 من                    اهتمامها بالطفل بسبب ابتسامه ، وتنشأ إذ ذاك رابطة المحبة                    الأولى 
بينها وبينه ، وإذا كان البكاء يرتبط بحاجات الطفل                    الجسمية فالابتسام 
يرتبط بحاجاته العاطفية ، والحق أن بَسْمة الطفل عند                    الولادة تمثِّل إطلاقاً 
عفوياً لمشاعره ، أكثر منها استجابة مرتبطة بمنبِّهات                    خارجية خاصة ، 
ومع نموِّ الطفل تتخذ البسمة العفويَّة طابعاً                    اجتماعياً ، فيشرع الطفل 
إذ ذاك بالابتسام للوجه الذي يألفه .وحقيقة الأمر أن                    الطفل يظلُّ يبتسم 
حتى الشهر السابع في أي وجه ، سواء أكان ذلك الوجه                    معروفاً لديه
 أم كان                    غير معروف ، وباسماً كان ذلك الوجه أم عابساً ، وفيما بعد ذلك                    
ترتسم الابتسامة على شفتي الطفل عندما تقع عيناه على                    وجهٍ باسم ، 
سواء أكان ذلك الوجه لأحد أفراد أسرته أم كان لشخص                    يُحبُّه الطفل .
أمّا الأم فيسعدها كثيراً أن تكتشف بأن طفلها قد أصبح                    قادراً على هذا 
النوع من الاندماج الاجتماعي ، ولكن ينبغي ألا يغيب                    عن ذهنها أنَّ هذا 
التقدم الذي أحرزه طفلها يمثل إلى حدٍّ كبير وظيفة من                    وظائف البيئة 
الاجتماعية التي يعيش فيها ، وما عليها إلا أن تشجِّع                    طفلها على الابتسام 
، حتى يتحول عن البكاء ، ويلجأ إلى هذا الشكل                    السار من أشكال الاتصال