10-21-2010, 01:35 PM
|
Moderator
|
|
تاريخ التسجيل: May 2010
الدولة: egypt
المشاركات: 5,722
|
|
اجابة الســــؤال و المعرفـــة
نستكمل العبودية فى الاسلام
للامام الجليل / أحمد بن تيمية يرحمه الله تعالى
أخى المسلم أن هؤلاء المشركون الضالون يسوون بين الله و خلقهو الخليل قال سبحانه و تعالى
{ قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ *
فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ ... }
الشعراء76
و يتمسكون بالمتشابه من كلام المشايخ كما فعلت النصارى مثال ذلك الفناء :
فان الفناء ثلاثة انواع
نوع للكاملين من الأنبياء و الأولياء
و نوع للقاصرين من الاولياء و الصالحين
و نوع للمنافقين الملحدين المشبهين
فأما الأول
فهو الفناء عما سوى الله بحيث لا يحب الا الله و لا يعبد الا الله و لايتوكل إلا عليه
و لا يطلب غيره و هو المعنى الذى يجب أن يقصد بقول الشيخ أبى يزيد
أريد أن لا أريد الا ما يريد أى المراد المحبوب المرضى و هو المراد بالارادة الدينية
و كمال العبد أن لا يريد و لا يحب و لايرضى الا ما أراده الله و رضيه و أحبه
و هو ما أمر به أمر إيجاب أو إستحباب ،
و لا يحب الا ما يحبه الله كالملائكة و الأنبياء و الصالحين
و هذا معنى قولهم فى قوله تعالى
{ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ }
الشعراء89
قالوا هو السليم مما سوى الله أو مما سوى عبادة الله أو مما سوى إرادة الله
أو مما سوى محبة الله فالمعنى واحد
و هذا المعنى أن سمى فناء أو لم يسم هو أول الإسلام و أخره و باطن الدين و ظاهره
أما المعنى الثانى
هو الغنى عن شهود السوى و لهذا يحصل لكثير من السالكين ،
فأنهم لفرط أنجذاب قلوبهم إلى ذكر الله وعبادته و محبته و ضعف قلوبهم
عن أن تشهد غير ما تعبد و ترى غير ما تقصد
لايخطر بقلوبهم غير الله بل و لا يشعرون به
قال تعالى
{ وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ
لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ }
القصص10
قالوا فارغا من كل شئ الا من ذكر موسى و هذا كثير يعرض لمن دهمه أمر من الأمور
إما حب و إما خوف و إما رجاء يبقى قلبه منصرفا عن كل شئ الا عما قد أحبه
أو خافه أو طلبه بحيث يكون عند إستغراقه فى ذلك لا يشعر بغيره
فاذا قوى على صاحب الفناء هذا فانه يغيب بموجوده عن وجوده
و بمشهوده عن شهوده و بمذكوره عن ذكره و بمعروفه عن معرفته
حتى يفنى من لم يكن و هى المخلوقات المعبده فمن سواه و يبقى من لم يزل
و هو الرب سبحانه و تعالى
و المراد فناؤها فى شهود العبد و ذكره و فناؤه عن ان يدركها او يشهدها
و إذا قوى هذا و ضعف المحب حتى أضطرب فى تمييزه فقد يظن أنه هو محبوبه
قيل
أن رجلا القى نفسه فى اليم فألقى محبة نفسه خلفه
فقال
أنا وقعت فما أوقعك خلفى
فقال
غبت بك عنى حتى ظننت إنك إنى
و هذا الموضع زل فيه أقوام و ظنوا أنه اتحاد و أن المحب يتحد بالمحبوب
حتى لايكون بينهما فرق فى نفس وجودهما وهذا خطأ
فان الخالق لا يتحد به شئ أصلا بل لا يتحد شئ بشئ الا إذا أستحالا أو فسدا
أو حصل من أتحادهما أمر ثالث
لا هو هذا و لا هذا كما إذا أتحد الماء و اللبن و الماء و الخمر و نحو ذلك
و لكن يتحد المراد و المحبوب و المكروه و يتفقان فى نوع الارادة و الكراهية
فيحب هذا ما يحب هذا و يبغض هذا ما يبغض هذا و يرضى ما يرضى
و يسخط ما يسخط و يكره ما يكره و يوالى من يوالى و يعادى من يعادى
و هذا الفناء كله فيه نقص
و أكابر الأولياء كأبى بكر وعمر رضى الله عنهما
و السابقين الأولين من المهاجرين و الأنصار
لم يقعوا فى هذا الفناء فضلا عمن فوقهم من الانبياء
و إنما وقع شئ من هذا من بعد الصحابة
و كذلك ما كان من هذا النمط مما فيه غيبة العقل و التمييز لما يرد على القلب
من أحوال الإيمان فان الصحابة رضى الله عنهم كانوا أكمل و أقوى و أثبت
فى الاحوال الإيمانيه من أن تغيب عقولهم أو يحصل له غشاء أو ضعف أو سكر أو فناء
أو وله أو جنون و إنما كان مبادئ هذه الأمور فى التابعين من عباد البصره
فأنه كان فيهم من يغشى عليه إذا سمع القران و منهم من يموت مثل
أبى جهير الضرير و زرارة بن أبُىّ أو فى قاضى البصرة
أن الكمل تكون عقولهم ليس فيها سوى محبة الله و إرادته و عبادته
و عندهم من سعة العلم و التمييز ما يشهدون به الأمور على ما هى عليه
بل يشهدون المخلوقات قائمه بأمر الله مدبرة بمشيئته مسبحة له قانتة له
فيكون لهم فيها تبصرة و ذكرى و يكون ما يشهدونه من ذلك مؤيدا
و ممدا لما فى قلوبهم من اخلاص الدين و تجريد التوحيد و العبادة له وحده لا شريك له
و هذه الحقيقة التى دعا اليها القران و قام بها أهل تحقيق الإيمان و الكُمَلّ من أهل العرفان
و نبينا صلى الله عليه و سلم أمام هؤلاء و أكملهم
و لهذا لما عرج به إلى السماوات وعاين ما هناك من الآيات و أوحى إليه
ما أوحى من أنواع المناجاة و أصبح فيهم و هو لم يتغير حاله و لاظهر عليه ذلك
بخلاف ما كان يظهر على موسى عليه السلام من التغشى صلى الله عليهم أجمعين
أما النوع الثالث
مما قد يسمى فناء فهو أن يشهد أن لا موجود الا الله و أن وجود الخالق
هو وجود المخلوقات فلا فرق بين الرب و العبد
فهذا فناء أهل الضلال و الإلحاد الواقعين فى الحلول و الإتحاد
و المشايخ المستقيمون إذا قال أحدهم
ما أرى غير الله ، أو غيره لا أنظر إلى غير الله أو نحو ذلك فمرادهم بذلك
ما أرى ربا غيره و لاخالقا و لا مدبرا غيره و لا إله غيره
و لا أنظر إلى غيره محبة له أو خوفا منه أو رجاء له
فان العين تنظر إلى ما يتعلق به القلب
فمن أحب شيئا أو رجاه أو خافه إلتفت إليه
فاذا لم يكن فى قلبه محبة له و لارجاء له و لاخوف منه و لا بغض له و لاغير ذلك
من تعلق القلب له لم يقصد القلب أن يلتفت إليه و لا أن ينظر إليه
و لا أن يراه و إن رآه إتفاقا رؤية مجرده كان كمن رآى حائطا و نحوه مما ليس
فى قلبه تعلق به و المشايخ الصالحون رضى الله عنهم يذكرون شيئا
من تجريد التوحيد و تحقيق إخلاص الدين كله
بحيث لا يكون العبد ملتفتا إلى غير الله و لا ناظر إلى ما سواه ،
لا حبا له و لا خوفا منه و لا رجاء له
بل يكون القلب فارغا من المخلوقات خاليا منها لا ينظر إليها الا بنور الله
فبالحق يسمع و بالحق يبصر و بالحق يبطش و بالحق يمشى
فيحب منها ما يحبه الله و يبغض منها ما يبغضه الله و يوالى منها ما وآلاه الله
و يعادى منها ما عاداه الله و يخاف الله فيها و لا يخافها فى الله
فهذا هو القلب السليم الحنيف الموحد المسلم المؤمن العارف الموحد
بمعرفة الأنبياء و المرسلين و تحقيقهم و توحيدهم
أخى المسلم اعتذر لطول التعريف
و نكتفى بهذا القدر من العبودية فى الإسلام
و نستكمل فى الحلقه القادمة إن شاء الله
|