وَيَنْكَسِرَ الْوَهَجُ ،وَخَصَّهُ بَعْضُهُمْ بِالْجَمَاعَةِ ، فَأَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَالتَّعْجِيلُ فِيحَقِّهِ أَفْضَلُ ،
وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْمَالِكِيَّةِوَالشَّافِعِيِّأَيْضًا ، لَكِنَّهُ خَصَّهُ بِالْبَلَدِ الْحَارِّ وَقَيَّدَالْجَمَاعَةُ
بِمَا إِذَا كَانُوا يَنْتَابُونَ مَسْجِدًا مِنْ بُعْدٍ ، فَلَوْكَانُوا مُجْتَمِعِينَ أَوْ كَانُوا يَمْشُونَ
فِيكِنٍّ فَالْأَفْضَلُفِيحَقِّهِمُ التَّعْجِيلُ ، وَالْمَشْهُورُ عَنْأَحْمَدَالتَّسْوِيَةُ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ
وَلَا قَيْدٍ ، وَهُوَقَوْلُإِسْحَاقَوَالْكُوفِيِّينَوَابْنِ الْمُنْذِرِ،
وَاسْتَدَلَّ لَهُالتِّرْمِذِيُّبِحَدِيثِأَبِي ذَرٍّقَالَ : فَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِالشَّافِعِيُّ
لَمْ يَأْمُرْ بِالْإِبْرَادِ لِاجْتِمَاعِهِمْ فِي السَّفَرِ وَكَانُوالَا يَحْتَاجُونَ إِلَى أَنْ يَنْتَابُوا مِنَ الْبُعْدِ .
وَتَعَقَّبَهُالْكِرْمَانِيُّبِأَنَّ الْعَادَةَ فِي الْعَسْكَرِ الْكَثِيرِ تَفْرِقَتُهُمْ فِي أَطْرَافِ الْمَنْزِلِ لِلتَّخْفِيفِ
وَطَلَبِ الرَّعْيِ فَلَا نُسَلِّمُ اجْتِمَاعَهُمْ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ . انْتَهَى ،
وَأَيْضًا فَلَمْ تَجْرِ عَادَتُهُمْ بِاتِّخَاذِ خِبَاءٍ كَبِيرٍ يَجْمَعُهُمْ ، بَلْ كَانُوا يَتَفَرَّقُونَ فِي ظِلَالِ الشَّجَرِ
وَلَيْسَ هُنَاكَ كِنٌّ يَمْشُونَ فِيهِ فَلَيْسَ فِي سِيَاقِ الْحَدِيثِ مَا يُخَالِفُ مَا قَالَهُالشَّافِعِيُّ،
وَغَايَتُهُ أَنَّهُ اسْتَنْبَطَ مِنَ النَّصِّ الْعَامِّ ، وَهُوَ الْأَمْرُ بِالْإِبْرَادِ مَعْنًى يُخَصِّصُهُ
وَذَلِكَ جَائِزٌ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْأُصُولِ ، لَكِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِي ذَلِكَ
تَأَذِّيهِمْ بِالْحَرِّ فِي طَرِيقِهِمْ ، وَلِلْمُتَمَسِّكِ بِعُمُومِهِ أَنْ يَقُولَ : الْعِلَّةُ فِيهِ تَأَذِّيهِمْ
بِحَرِّ الرَّمْضَاءِ فِي جِبَاهِهِمْ حَالَةَ السُّجُودِ ، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُأَنَسٍ
: " كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالظَّهَائِرِ سَجَدْنَا عَلَى ثِيَابِنَا اتِّقَاءَ الْحَرِّ
" رَوَاهُأَبُو عَوَانَةَفِي صَحِيحِهِ بِهَذَا اللَّفْظِ ، وَأَصْلُهُ فِيمُسْلِمٍ ،
وَفِي حَدِيثٍ أَيْضًا فِي الصَّحِيحَيْنِ نَحْوُهُ .
وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ : أَنَّ الْعِلَّةَ الْأُولَى أَظْهَرُ فَإِنَّ الْإِبْرَادَ لَا يُزِيلُ الْحَرَّ عَنِ الْأَرْضِ .
انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ .
قُلْتُ : الظَّاهِرُ عِنْدِي هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ ،
وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .
تَنْبِيهٌ :
قَالَ صَاحِبُ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ : هَذَا الْمَوْضِعُ الَّذِي اعْتَرَضَ فِيهِالتِّرْمِذِيُّعَلَىالشَّافِعِيِّ
مَعَ كَوْنِهِ مُقَلِّدًالِلشَّافِعِيِّ ،انْتَهَى .
قُلْتُ : قَدْ بَيَّنَّا فِي الْمُقَدِّمَةِ أَنَّ الْإِمَامَ التِّرْمِذِيَّ لَمْ يَكُنْ مُقَلِّدًا لِلشَّافِعِيِّ وَلَا لِغَيْرِهِ
وَاعْتِرَاضُهُ هَذَا أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُقَلِّدًا لَهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَأْنِ الْمُقَلِّدِ الِاعْتِرَاضُ
عَلَى إِمَامِهِ الْمُقَلَّدِ ، وَأَيْضًا لَوْ كَانَ التِّرْمِذِيُّ مُقَلِّدًا لِلشَّافِعِيِّ لَقَوَّى دَلَائِلَهُ وَمَسَالِكَهُ
فِي جَمِيعِ مَوَاقِعِ بَيَانِ الْمَذَاهِبِ أَوْ غَالِبِهَا وَضَعَّفَ دَلَائِلَ غَيْرِهِ وَمَسَالِكَهُ كَمَا هُوَ دَأْبُ الْمُقَلِّدِ ،
أَلَا تَرَى أَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ كَيْفَ قَوَّى دَلَائِلَ إِمَامِهِ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ وَزَيَّفَ دَلَائِلَ غَيْرِهِ
مِنَ ابْتِدَاءِ الْهِدَايَةِ إِلَى آخِرِهَا ، فَتَفَكَّرْ .
وَقَدِ اعْتَرَفَ صَاحِبُ تَتِمَّةِ مِسْكِ الذَّكِيِّ هَاهُنَا بِأَنَّ التِّرْمِذِيَّ لَمْ يَكُنْ شَافِعِيًّا .
وَ اللَّهُ تَعَالَى أعلى و أَعْلَمُ . و أجل