فَذَكَرَ بِمِثْلِ مَا ذَكَرْنَا عَنْ نَصْبِ الرَّايَةِ ، قَالَ : وَ أَمَّا الْحَدِيثُ الثَّالِثُ فَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى
كَوْنِ التَّعْجِيلِ فِي الظُّهْرِ أَشَدَّ مِنَ التَّعْجِيلِ فِي الْعَصْرِ لَا عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّأْخِيرِ ،
قَالَ : وَ أَمَّا الْحَدِيثُ الرَّابِعُ فَلَا يَدُلُّ أَيْضًا عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّأْخِيرِ .
قُلْتُ : بَلْ هُوَ يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّعْجِيلِ فَإِنَّالطَّحَاوِيَّرَوَاهُ هَكَذَا عَنْأَنَسٍمُخْتَصَرًا
وَرَوَاهُ أَصْحَابُ الْكُتُبِالسِّتَّةِ عَنْهُ بِلَفْظِ : " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ
يُصَلِّي الْعَصْرَ وَ الشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ حَيَّةٌ فَيَذْهَبُ الذَّاهِبُ إِلَى الْعَوَالِي فَيَأْتِيهِمْ
وَ الشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ وَ بَعْضُ الْعَوَالِي مِنَالْمَدِينَةِعَلَى أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ أَوْ نَحْوِهِ "
فَالْعَجَبُ مِنَالْعَيْنِيِّأَنَّهُ كَيْفَ اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي الْأَوَّلُ وَ الثَّانِي مِنْهَا
ضَعِيفَانِ لَا يَصْلُحَانِ لِلِاسْتِدْلَالِ ، وَ الثَّالِثُ لَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّأْخِيرِ
وَ الرَّابِعُ يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّعْجِيلِ .
وَ قَدِ اسْتَدَلَّ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ التَّأْخِيرِ بِحَدِيثِ الْقِيرَاطِ وَ سَتَعْرِفُ
فِي الْبَابِ الْآتِي أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِهِ أَيْضًا لَيْسَ بِصَحِيحٍ ،
وَ لَمْ أَرَ حَدِيثًا صَحِيحًا صَرِيحًا يَدُلُّ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ تَأْخِيرِ الْعَصْرِ .
تَنْبِيهٌ :
اسْتَدَلَّ صَاحِبُ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ عَلَى تَأْخِيرِ صَلَاةِ الْعَصْرِ مَا لَفْظُهُ :
وَ أَدِلَّتُنَا كَثِيرَةٌ لَا أَسْتَوْعِبُهَا وَ مِنْهَا : مَا فِيأَبِي دَاوُدَعَنْعَلِيٍّأَنَّ وَقْتَ الْإِشْرَاقِ
مِنْ جَانِبِ الطُّلُوعِ مِثْلُ بَقَاءِ الشَّمْسِ بَعْدَ الْعَصْرِ ، وَ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ وَقْتَ الْإِشْرَاقِ يَكُونُ
بَعْدَ ذَهَابِ وَقْتِ الْكَرَاهَةِ ، انْتَهَى .
قُلْتُ : حَدِيثُعَلِيٍّهَذَا بِهَذَا اللَّفْظِ لَيْسَ فِيأَبِي دَاوُدَأَلْبَتَةَ وَ لَا فِي كِتَابٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ
فَعَلَيْهِ أَنْ يُثْبِتَ أَوَّلًا كَوْنَهُ فِيأَبِي دَاوُدَأَوْ فِي كِتَابٍ آخَرَ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ
بِهَذَا اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَسْتَدِلُّ بِهِ وَ دُونَهُ خَرْطُ الْقَتَادِ .
وَ لَوْ سُلِّمَ أَنَّهُ بِهَذَا اللَّفْظِ مَوْجُودٌ فِي كِتَابٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ فَلَا يَثْبُتُ مِنْهُ تَأْخِيرُ الْعَصْرِ
وَ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ، وَ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ وَقْتَ الْإِشْرَاقِ فِي الِامْتِدَادِ وَ الطُّولِ كَوَقْتِ الْعَصْرِ ،
وَ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ ابْتِدَاءَ وَقْتِ الْعَصْرِ إِذَا صَارَ ظِلُّ الشَّيْءِ كَطُولِهِ وَ امْتِدَادُهُ إِلَى الْغُرُوبِ ،
كَمَا أَنَّ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْإِشْرَاقِ يَكُونُ بَعْدَ ذَهَابِ وَقْتِ الْكَرَاهَةِ
وَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِتَأْخِيرِ الْعَصْرِ وَ لَا بِتَعْجِيلِهِ فَتَفَكَّرْ .
وَ لَا تَعْجَبُوا مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُقَلِّدِينَ أَنَّهُمْ كَيْفَ يَتْرُكُونَ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ الصَّرِيحَةَ
فِي تَعْجِيلِ الْعَصْرِ وَ يَتَشَبَّثُونَ بِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّ هَذَا مِنْ شَأْنِ التَّقْلِيدِ .
ثُمَّ قَالَ مَا لَفْظُهُ : وَ لَنَا حَدِيثٌ آخَرُ حَسَنٌ عَنْجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِأَخْرَجَهُأَبُو دَاوُدَفِي سُنَنِهِ
وَ كَذَلِكَ أَخْرَجَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ : إِنَّ السَّاعَةَ الْمَحْمُودَةَ مِنَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ
فِي السَّاعَةِ الْأَخِيرَةِ ، وَ الْيَوْمُ اثْنَا عَشَرَ سَاعَةً ،
وَ فِي فَتْحِ الْبَارِي فِي مَوْضِعٍ : أَنَّ مَا بَعْدَ الْعَصْرِ رُبُعُ النَّهَارِ ، انْتَهَى .
قُلْتُ : هَذَا الْحَدِيثُ أَيْضًا لَيْسَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ بِهَذَا اللَّفْظِ ، ثُمَّ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِتَأْخِيرِ الْعَصْرِ
وَ لَا تَعْجِيلِهِ ، وَ أَمَّا قَوْلُ الْحَافِظِ فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ ، عَلَى أَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى التَّأْخِيرِ .
وَ اللَّهُ تَعَالَى أعلى و أَعْلَمُ . و أجل

( نسأل الله أن يرزقنا إيمانا صادقاً و يقينا لاشكّ فيه )
( اللهم لا تجعلنا ممن تقوم الساعة عليهم و ألطف بنا يا الله )
( و الله الموفق )
=======================
و نسأل الله لنا و لكم التوفيق و شاكرين لكم حُسْن متابعتكم
و إلى اللقاء في الحديث القادم و أنتم بكل الخير و العافية
" إن شـاء الله "