تفسير سورة البقرة، وهي مدنية
{ وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ
كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ
قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ *
إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ }
أي: قال الجهلة من أهل الكتاب وغيرهم: هلا يكلمنا, كما كلم الرسل،
{ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ }
يعنون آيات الاقتراح, التي يقترحونها بعقولهم الفاسدة, وآرائهم الكاسدة,
التي تجرأوا بها على الخالق, واستكبروا على رسله
{ لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً }
{ يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ
فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ }
{ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ
أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ }
{ وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا }
فهذا دأبهم مع رسلهم, يطلبون آيات التعنت, لا آيات الاسترشاد,
ولم يكن قصدهم تبيُّن الحق، فإن الرسل, قد جاءوا من الآيات,
{ قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ }
فكل موقن, فقد عرف من آيات الله الباهرة, وبراهينه الظاهرة,
ما حصل له به اليقين, واندفع عنه كل شك وريب.ثم ذكر تعالى بعض آية
موجزة مختصرة جامعة للآيات الدالة على صدقه صلى الله عليه وسلم
{ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا }
فهذا مشتمل على الآيات التي جاء بها,وهي ترجع إلى ثلاثة أمور:
في معرفة ما جاء به من القرآن والسنة.
فالأول والثاني, قد دخلا في قوله:
وبيان الأمر الأول وهو - نفس إرساله - أنه قد علم حالة أهل الأرض قبل
بعثته صلى الله عليه وسلموما كانوا عليه من عبادة الأوثان والنيران,
والصلبان, وتبديلهم للأديان,حتى كانوا في ظلمة من الكفر, قد عمتهم
وشملتهم,إلا بقايا من أهل الكتاب, قد انقرضوا قبيل البعثة.وقد علم أن الله
تعالى لم يخلق خلقه سدى, ولم يتركهم هملا,لأنه حكيم عليم, قدير رحيم،
فمن حكمته ورحمته بعباده, أن أرسل إليهم هذا الرسول العظيم, يأمرهم
بعبادة الرحمن وحده لا شريك له, فبمجرد رسالته يعرف العاقل صدقه,
وهو آية كبيرة على أنه رسول الله،
فمن عرف النبي صلى الله عليه وسلم معرفة تامة, وعرف سيرته وهديه
قبل البعثة, ونشوءه على أكمل الخصال,ثم من بعد ذلك, قد ازدادت مكارمه
وأخلاقه العظيمة الباهرة للناظرين,فمن عرفها, وسَبَر أحواله, عرف أنها
لا تكون إلا أخلاق الأنبياء الكاملين,لأن الله تعالى جعل الأوصاف أكبر دليل
على معرفة أصحابها وصدقهم وكذبهم.
فهو معرفة ما جاء به صلى الله عليه وسلم من الشرع العظيم,
والقرآن الكريم, المشتمل على الإخبارات الصادقة, والأوامر الحسنة,
والنهي عن كل قبيح, والمعجزات الباهرة, فجميع الآيات تدخل
أي: لمن أطاعك بالسعادة الدنيوية والأخروية،
لمن عصاك بالشقاوة والهلاك الدنيوي والأخروي.
{ وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ }
أي: لست مسئولا عنهم,إنما عليك البلاغ, وعلينا الحساب.
{ 120 } { وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ
قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ
مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ * }
يخبر تعالى رسوله, أنه لا يرضى منه اليهود ولا النصارى, إلا باتباعه
دينهم, لأنهم دعاة إلى الدين الذي هم عليه, ويزعمون أنه الهدى،
وأما ما أنتم عليه, فهو الهوىبدليل قوله
{ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ
مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ }
فهذا فيه النهي العظيم, عن اتباع أهواء اليهود والنصارى, والتشبه بهم
فيما يختص به دينهم، والخطاب وإن كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم
فإن أمته داخلة في ذلك، لأن الاعتبار بعموم المعنى لا بخصوص
المخاطب،كما أن العبرة بعموم اللفظ, لا بخصوص السبب.
*****************************
{ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ
مَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ *
يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ *
وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا
وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ * }
يخبر تعالى أن الذين آتاهم الكتاب, ومنَّ عليهم به منة مطلقة,أنهم
{ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ }
أي: يتبعونه حق اتباعه, والتلاوة: الاتباع، فيحلون حلاله, ويُحرمون
حرامه, ويعملون بمحكمه, ويؤمنون بمتشابهه، وهؤلاء هم السعداء
من أهل الكتاب, لذين عرفوا نعمة الله وشكروها,وآمنوا بكل الرسل,
ولم يفرقوا بين أحد منهم.فهؤلاء, هم المؤمنون حقا,