وَ أَمَّا بَعْدَذَلِكَ إِلَى أَنْ يَتِمَّ نِصْفُ اللَّيْلِ فَفِي الْفَضْلِ دُونَ ذَلِكَ ،
وَ أَمَّا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ فَدُونَهُ ، ثُمَّ سَاقَ بِسَنَدِهِعَنْنَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ
قَالَ كَتَبَعُمَرُإِلَىأَبِي مُوسَى " وَ صَلِّ الْعِشَاءَ أَيَّ اللَّيْلِ شِئْتَ وَ لَاتُغْفِلْهَا
" وَ لِمُسْلِمٍفِي قِصَّةِ التَّعْرِيسِ عَنْأَبِي قَتَادَةَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَقَالَ :
لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ إِنَّمَا التَّفْرِيطُ أَنْ يُؤَخِّرَصَلَاةً حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الْأُخْرَى
فَدَلَّ عَلَى بَقَاءِ الْأُولَى إِلَى أَنْ يَدْخُلَ وَقْتُ الْأُخْرَى، وَ هُوَ طُلُوعُ الثَّانِي ، انْتَهَى .
قُلْتُ : لَا شَكَّ فِي أَنَّ كَلَامَالطَّحَاوِيِّهَذَا حَسَنٌ ، لَوْ كَانَ فِي هَذَا حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ صَحِيحٌ ،
وَ لَكِنْ لَمْ أَجِدْ حَدِيثًا مَرْفُوعًا صَحِيحًا ، أَمَّا حَدِيثُأَبِي قَتَادَةَالْمَرْفُوعُ فَقَدْ عَرَفْتَ
فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ عُمُومَهُ مَخْصُوصٌ بِالْإِجْمَاعِ فِي الصُّبْحِ ، فَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إِنَّهُ مَخْصُوصٌ
بِحَدِيثِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِوَ مَا فِي مَعْنَاهُ ،
وَ أَمَّا حَدِيثُعَائِشَةَالْمَرْفُوعُ أَنَّهُ أَعْتَمَ بِهَا حَتَّى ذَهَبَ عَامَّةُ اللَّيْلِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِعَامَّةِ اللَّيْلِ أَكْثَرَهُ
كَمَا زَعَمَالطَّحَاوِيُّوَ غَيْرُهُ بَلِ الْمُرَادُ كَثِيرٌ مِنْهُ ، قَالَالنَّوَوِيُّفِي شَرْحِمُسْلِمٍ :
قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِعَائِشَةَ " إِنَّهُ أَعْتَمَ بِهَا حَتَّى ذَهَبَ عَامَّةُ اللَّيْلِ " ،
أَيْ كَثِيرٌ مِنْهُ ، وَ لَيْسَ الْمُرَادُ أَكْثَرَ وَ لَا بُدَّ مِنْ هَذَا التَّأْوِيلِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ إِنَّهُ لَوَقْتُهَا ،
وَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهَذَا الْقَوْلِ مَا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ ؛
لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِنَّ تَأْخِيرَهَا إِلَى مَا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ أَفْضَلُ ، انْتَهَى ،
وَ أَمَّا الْحَدِيثَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا النَّيْمَوِيُّ فَهُمَا لَيْسَا مَرْفُوعَيْنِ ،
بَلْ أَحَدُهُمَا قَوْلُعُمَرَوَ فِي سَنَدِهِحَبِيبُ بْنِ أَبِي ثَابِتٍوَ عَلَيْهِ مَدَارُهُ ، وَ هُوَ مُدَلِّسٌ ،
وَ رَوَاهُ عَنْنَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍبِالْعَنْعَنَةِ ، قَالَ الْحَافِظُابْنُ حَجَرٍفِي طَبَقَاتِ الْمُدَلِّسِينَ
حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍالْكُوفِيُّ ، تَابِعِيٌّ مَشْهُورٌ يُكْثِرُ التَّدْلِيسَ ،
وَ ثَانِيهمَا قَوْلُأَبِي هُرَيْرَةَفَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَالَ بِهِ بِنَاءً عَلَى عُمُومِ حَدِيثِأَبِي قَتَادَةَ ،
وَ اَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .
وَ قَالَابْنُ الْعَرَبِيِّفِي عَارِضَةِ الْأَحْوَذِيِّ : لَا خِلَافَ بَيْنَ الْأُمَّةِ أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ
غُرُوبُ الشَّفَقِ ، وَ اخْتَلَفُوا فِي آخِرِهَا : فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ ،
قَالَ بِهِمَالِكٌوَ الشَّافِعِيُّ، وَ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ : إِنَّهُ إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ ،
قَالَهُابْنُ حَبِيبٍوَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَ قَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ
فِعْلًا أَنَّهُ أَخَّرَهَا إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ ،
وَ قَوْلًا لَهُ ، قَالَ وَقْتُ الْعِشَاءِ إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، فَلَا قَوْلَ بَعْدَ هَذَا وَ اَللَّهُ أَعْلَمُ .
انْتَهَى كَلَامُابْنِ الْعَرَبِيِّ .
قَوْلُهُ : ( عَنْأَبِي بِشْرِ )
بْنِ أَبِي إِيَاسِ بْنِ أَبِي وَحْشِيَّةَ ثِقَةٌ مِنْ أَثْبَتِ النَّاسِ فِيسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ،
وَ ضَعَّفَهُشُعْبَةُفِيحَبِيبِ بْنِ سَالِمٍوَ فِي مُجَاهِدٍ ،قَالَهُ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ .
قَوْلُهُ : ) عَنْبَشِيرِ بْنِ ثَابِتٍ)
الْأَنْصَارِيِّ مَوْلَاهُمْ بَصْرِيٌّ ثِقَةٌ ،وَ قَالَابْنُ حِبَّانَ : وَ هَمَ مَنْ قَالَ فِيهِ بِشْرٌ بِغَيْرِ يَاءٍ .
قَوْلُهُ : ) عَنْحَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ)
الْأَنْصَارِيِّ مَوْلَى النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ وَ كَاتِبِهِ ، لَابَأْسَ بِهِ ،
مِنْ أَوْسَاطِ التَّابِعِينَ .
قَوْلُهُ : ( أَنَا أَعْلَمُ النَّاسِ بِوَقْتِ هَذِهِ الصَّلَاةِ )
هَذَا مِنْ بَابِ التَّحْدِيثِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ بِزِيَادَةِ الْعِلْمِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ حَمْلِ السَّامِعِينَ
عَلَى اعْتِمَادِ مَرْوِيِّهِ ، وَ لَعَلَّ وُقُوعَ هَذَا الْقَوْلِ مِنْهُ بَعْدَ مَوْتِ غَالِبِ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ
وَ حُفَّاظِهِمُ الَّذِينَ هُمْ أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْهُ .
قَوْلُهُ : (لِسُقُوطِ الْقَمَرِ)
أَيْ وَقْتَ غُرُوبِهِ أَوْ سُقُوطِهِ إِلَى الْغُرُوبِ .
قَوْلُهُ : ( لِثَالِثَةٍ)
أَيْ فِي لَيْلَةٍ ثَالِثَةٍ مِنَ الشَّهْرِ .
قَوْلُهُ : ( عَنْأَبِي عَوَانَةَبِهَذَا الْإِسْنَادِ )
أَيْ بِالْإِسْنَادِ الْمُتَقَدِّمِ ، وَ حَدِيثُالنُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍالْمَذْكُورُأَخْرَجَهُأَبُو دَاوُدَوَ النَّسَائِيُّوَ الدَّارِمِيُّ
قَالَابْنُ الْعَرَبِيِّ : حَدِيثُالنُّعْمَانِصَحِيحٌ ، وَ إِنْ لَمْ يُخَرِّجْهُ الْإِمَامَانِ فَإِنَّأَبَا دَاوُدَأَخْرَجَهُ عَنْمُسَدَّدٍ ،
وَ التِّرْمِذِيَّعَنْأَبِي عَوَانَةَعَنْأَبِي بِشْرٍ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي وَحْشِيَّةَعَنْبَشِيرِ بْنِ ثَابِتٍ
عَنْحَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ، فَأَمَّاحَبِيبُ بْنُ سَالِمٍ مَوْلَى النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍفَقَالَأَبُو حَاتِمٍهُوَ ثِقَةٌ ،
وَ أَمَّابَشِيرُ بْنُ ثَابِتٍفَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍإِنَّهُ ثِقَةٌ ، وَ لَا كَلَامَ فِيمَنْ دُونَهُمَا ،
وَ إِنْ كَانَهُشَيْمٌقَدْ رَوَاهُ عَنْأَبِي بَشِيرٍعَنْحَبِيبِ بْنِ سَالِمٍبِإِسْقَاطِأَبِي بَشِيرٍ
وَ مَا ذَكَرْنَاهُ أَصَحُّ ، وَ كَذَلِكَ رَوَاهُشُعْبَةُوَ غَيْرُهُ ،
وَ خَطَأُ مَنْ أَخْطَأَ فِي الْحَدِيثِ لَا يُخْرِجُهُ عَنِ الصِّحَّةِ .
انْتَهَى كَلَامُابْنِ الْعَرَبِيِّ
وَ اللَّهُ تَعَالَى أعلى و أَعْلَمُ . و أجل

( نسأل الله أن يرزقنا إيمانا صادقاً و يقينا لاشكّ فيه )
( اللهم لا تجعلنا ممن تقوم الساعة عليهم و ألطف بنا يا الله )
( و الله الموفق )
=======================
و نسأل الله لنا و لكم التوفيق و شاكرين لكم حُسْن متابعتكم
و إلى اللقاء في الحديث القادم و أنتم بكل الخير و العافية
" إن شـاء الله "