من تفسير الدكتور راتبالنابلسي (10)
{ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ (68) }
موحِّدون، والتوحيد أيها الأخوة كفكرة سهل ؛ أما أن تعيش التوحيد
هذا شيءٌ يحتاج إلى جهد كبير،أن لا ترى مع الله أحداً هذه الرؤية تحتاج
إلى أعمال، وإلى مجاهدة، وإلى تفكُّر، وإلى بحث، وإلى ملازمة، وإلى
صدق، أما أن تسمع أنه لا إله إلا الله، فسماع الفكرة سهل، ربنا عزَّ وجل
{ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ(19) }
لم يقل: فاسمع، لم يقل: فقُم، بل قال: فَاعْلَمْ، فالعلم يقتضي البحث،
فإذا رأيت أنه لا إله إلا الله، وأنه ليس مع الله أحد، هذا هو التوحيد،
وما تعلَّمت العبيد أفضل من التوحيد، والتوحيد نهاية العِلم،
فنهاية النهاية أن لا ترى مع الله أحداً، فإذا رأيت زيداً أو عبيداً،
وفلاناً أو علاناً، وفلان بيده الأمر الفُلاني، فلان بيده أن ينفع، فلان
بيده أن يضُر، هذا هو الشرك.
{ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ
وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ (68) }
هناك أشخاص كلَّما رأوا حشرة داسوها بأقدامهم، من دون تحقُّق، من
دون تَبَصُّر، هذه تُقْتَل، هذه لا تُقْتَل، هذه يجوز قتلها هذه لا يجوز، هكذا،
من دون وعي ؟ المؤمن وقَّاف عند شرع الله، يسأل: هل يجوز قتل
{ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ
إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ (68) }
هذه (لا) نافية، ونفي الزنا عن المؤمنين أبلغ من نهيهم عن الزنا،
إذا نهيت إنساناً عن الزنا فكأن الزنا داخلٌ في حساباته، إذا نهيت موظَّفاً
عن التأخُّر فكأن التأخُّر من عادته، أو كأن التأخُّر محتمل أو ممكن، لكنَّك
إذا نفيت عنه الشيء هذا أبلغ من النهي عنه، ففرقٌ بين النهي
وبين النفي، ربنا عزَّ وجل يقول:
وإن زنا وإن سرق في بعض الأحاديث الشريفة هذه في الماضي،
فالله سبحانه وتعالى يتوب عن المؤمن وإن كان له ماضٍ لا يرضاه،
أما أن نتصور مؤمناً يزني هذا مستحيل، يستحيل بحقِّ المؤمن ذلك،
فهذه الآية تؤكِّد هذا المعنى، الله سبحانه وتعالى ينفي عنهم الزنا:
{ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) }
يلقى الإثم، يلقى البعد، يلقى الحرمان، يلقى اللعنة من الله عزَّ وجل،
{ يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) }
أحياناً غفلةٌ يسيرة عن الحق تسوق الإنسان إلى النار:
المعصية تنتهي بالهَوان، إذا الإنسان أعطى نفسه ما تشتهي، استرخى،
أطلق للسانه العِنان، أطلق لعينيه العنان نظر بهما إلى الحرام، تكلَّم بما
يعنيه وما لا يعنيه، بما يجوز وما لا يجوز، بما هو حق وبما هو باطل:
{ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68)
يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69 }