أشكر حسّادك ..!
النقد الموجّه إليك يساوي قيمتك تماماً ،
و إذا أصبحت لا تُنقد و لا تُحسد فأحسن الله عزاءك في حياتك ؛
لأنك متَّ من زمن و أنت لا تدري ،
وإذا أصبحت يوماً ما و وجدت رسائل شتم و قصائد هجاء و خطابات قدح
فاحمد الله فقد أصبحت شيئاً مذكوراً و صرت رقماً مهماً ينبغي التعامل معه .
إن أعظم علامات النجاح هو كيل النقد جزافاً لك ،
فمعناه أنك عملت أعمالاً عظيمة فيها أخطاء ،
أما إذا لم تُنتقد و لم تُحسد فمعناه أنك صفر مكعَّب
« حُرِّمت عليكم الميتة »
يقول صاحب كتاب ( دع القلق ) :
إن الناس لا يرفسون كلباً ميّتاً ، و لكن أبا تمام سبق لهذا المعنى
فسطَّره و عطَّره و حبَّره فقال :
وَ إِذا أَرادَ اللَهُ نَشرَ فَضيلَةٍ ... طُوِيَت أَتاحَ لَها لِسانَ حَسودِ
يقول أحد الكتّاب :
عليك أن تشكر حسّادك ؛
لأنهم تبرعوا بدعاية مجانية نيابة عنك ،
و إذا وجدت هجوماً كاسحاً ضدك من أصدقائك الأعداء أو من أعداءك الأصدقاء
فلا ترد عليهم بل سامحهم و استغفر لهم و زد في إنتاجك و تأليفك و برامجك
فإن هذه أعظم عقوبة لهم يقول زميلي أبو الطيب:
إِنّي وَ إِن لُمتُ حاسِدِيَّ فَما ... أُنكِرُ أَنّي عُقوبَةٌ لَهُــمُ
إن نقد أعدائنا الأصدقاء يقوِّم إعوجاجنا الذي ربما أعمانا عنه
مديح الجماهير و تصفيق المعجبين ،
يقول غوته :
إن الدجاجة حينما تريد أن تبيض و تقول : قيط .. قيط
تظن أنها سوف تبيض قمراً سيّاراً ،
فالعالِم لكثرة ما يمدح يظن أن الله لطف بالخلق لمّا أوجده في هذا الزمن ،
و المسؤول إذا أُثني عليه بقصائد يحسب أن الملائكة في السماء تصفّق له ،
إذاً فلابد من وخزات نقدية ؛
ليستيقظ العقل المبنَّج بأُبر أهل المدح الزائف الرخيص ،
يقول أحد الفلاسفة :
إذا رُكِلتَ من الخلف فاعلم أنك في المقدمة ،
إن التافهين ليس لهم نقّاد و لا حسّاد ؛
لأنهم كالجماد تماماً ، و هل سمعت أحداً يهجو حجراً أو يسب طيناً ؟!
و تذكر أن الكسوف و الخسوف للشمس و القمر
أما سائر النجوم فلم تبلغ هذا الشرف .
يقول زهير :
مُحَسَّدونَ عَلى ما كانَ مِن نِعَمٍ ... لا يَنزِعُ اللَهُ مِنهُم ما لَهُ حُسِدوا
ذكروا عن العقاد أن أحد الكتّاب شكا إليه تهجم الصحافة عليه فقال العقاد :
أجمع لي كل المقالات التي هاجمتك ، فجمعها ،
فقال له : رتّبها وضع قدميك عليها ، فلما فعل
قال له : لقد ارتفعت عن مستوى الأرض بمقدار هذا الهجوم
و لو زادوا في نقدهم لزاد ارتفاعك.
يقول ابن الوزير :
و شكوت من ظلم الحسود و لن تجد ... ذا سؤدد إلا أصيب بحسّدِ
إن أصدقاءك الأعداء و إن أعداءك الأصدقاء لم ينقموا عليك لأنك سرقت أموالهم
أو اغتصبت دورهم و لكنك فقتهم علماً أو معرفة أو مالاً أو حققت نجاحاً باهراً ،
فلا بد أن يقتصّوا منك جزاءً وِفاقاً لتصرفك الأرعن لأن الواجب عليك عندهم
أن تبقى تحتهم بدرجة ،
إذاً فلا تنتظر من حسّادك شهادات حسن سيرة و سلوك ودعاء في السحر
بل توقَّع قصائد عصماء مقذعة و خطباً نارية بشعة و مقامات أدبية مشوّهة .
و المشكلة أن صديقك الحاسد يرفض دستور المودة و أنت تعرضها عليه ،
و يبحث عن آخرين .