وَ قَالَ بَعْضُهُمْ إِذَا كَانَ الدَّمُ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِالدِّرْهَمِأَعَادَ الصَّلَاةَ
وَ هُوَ قَوْلُسُفْيَانَوَابْنِ الْمُبَارَكِ( وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ ) ،
وَ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ : قَدْرُ الدِّرْهَمِ وَ مَا دُونَهُ مِنَ النَّجَاسَةِالْمُغَلَّظَةِ
كَالدَّمِ وَ الْبَوْلِ وَالْخَمْرِ وَ خَرْءِ الدَّجَاجِ وَ بَوْلِالْحِمَارِ جَازَتِ الصَّلَاةُ مَعَهُ ،
وَ إِنْ زَادَ فَلَمْ يَجُزْ ، قَالَ : لَنَا إِنَّ الْقَلِيلَ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَيُجْعَلُمَعْفُوًّا
وَ قَدَّرْنَاهُ بِقَدْرِ الدِّرْهَمِ أَخْذًا عَنْ مَوْضِعِالِاسْتِنْجَاءِ ، انْتَهَى.
قَالَالْعَيْنِيُّفِي شَرْحِالْبُخَارِيِّص 903 ج 1 ،
وَ أَمَّا تَقْدِيرُ أَصْحَابِنَا الْقَلِيلَ بِقَدْرِ الدِّرْهَمِفَلِمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْأَسْرَارِ عَنْ عَلِيٍّوَ ابْنِ مَسْعُودٍ
أَنَّهُمَا قَدَّرَا النَّجَاسَةَ بِالدِّرْهَمِ وَ كَفَى بِهِمَاحُجَّةً فِي الِاقْتِدَاءِ ،
وَ رُوِيَ عَنْعُمَرَأَيْضًا أَنَّهُ قَدَّرَهُ بِظُفُرِهِ.
وَ فِي الْمُحِيطِ : وَ كَانَ ظُفُرُهُ قَرِيبًا مِنْ كَفِّنَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَا دُونَالدِّرْهَمِ لَا يَمْنَعُ ، انْتَهَى .
قُلْتُ : لَا بُدَّ لِلْحَنَفِيَّةِ أَنْ يُثْبِتُوا صِحَّةَ آثَارِعَلِيٍّوَ ابْنِ مَسْعُودٍوَ عُمَرَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمِ
الْمَذْكُورَةَ وَ بِمُجَرَّدِ ذِكْرِ صَاحِبِ الْأَسْرَارِ هَذِهِ الْآثَارَ لَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَالُ بِهَا ،
وَ إِنِّي قَدْ فَتَّشْتُ كَثِيرًا ، لَكِنْ لَمْ أَقِفْ عَلَى أَسَانِيدِهَا وَ لَا عَلَى مُخَرِّجِيهَا
فَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ كَيْفَ حَالُهَا ،
وَ أَمَّا قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ إِنَّ ظُفُرَعُمَرَكَانَ قَرِيبًا مِنْ كَفِّنَا فَهَذَا ادِّعَاءٌ مَحْضٌ لَمْ يَثْبُتْ بِدَلِيلٍ صَحِيحٍ ،
نَعَمْ ثَبَتَ أَنَّهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ طَوِيلَ الْقَامَةِ ،
قَالَ الْحَافِظُابْنُ الْجَوْزِيِّفِي كِتَابِهِ التَّلْقِيحُ مَا لَفْظُهُ : تَسْمِيَةُ الطِّوَالِ
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ،الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ ،قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ ،
حَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ ،عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ . انْتَهَى ،
وَ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ كَوْنَعُمَرَمِنْ طِوَالِ الصَّحَابَةِ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ ظُفُرُهُ قَرِيبًا مِنْ كَفِّنَا ،
وَ أَمَّا تَقْدِيرُهُمْ أَخْذًا عَنْ مَوْضِعِ الِاسْتِنْجَاءِ فَفِيهِ أَيْضًا كَلَامٌ لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ .
وَ لَمْ يُوجِبْ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَ غَيْرُهُمْ عَلَيْهِالْإِعَادَةَ ،
وَ إِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ وَبِهِيَقُولُأَحْمَدُوَإِسْحَاقُ )
)يَدُلُّ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ هَؤُلَاءِ ظَاهِرُ مَاأَخْرَجَهُأَحْمَدُوَأَبُو دَاوُدَوَالدَّارَقُطْنِيُّ )،
وَ صَحَّحَهُابْنُ خُزَيْمَةَوَابْنُ حِبَّانَوَالْحَاكِمُكُلُّهُمْ مِنْ طَرِيقِابْنِ إِسْحَاقَ
حَدَّثَنِي صَدَقَةُ بْنُ يَسَارٍعَنْعَقِيلِ بْنِ جَابِرٍعَنْ أَبِيهِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
"كَانَ فِي غَزْوَةِذَاتِ الرِّقَاعِفَرُمِيَرَجُلٌ بِسَهْمٍ فَنَزَفَهُ الدَّمُ فَرَكَعَ وَسَجَدَ وَمَضَى فِيصَلَاتِهِ
" وَالْقِصَّةُ طَوِيلَةٌ مُحَصَّلُهَاأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ نَزَلَ بِشِعْبٍ فَقَالَ : مَنْ يَحْرُسُنَا اللَّيْلَةَ؟
فَقَامَ رَجُلٌمِنَالْمُهَاجِرِينَوَ رَجُلٌ مِنَالْأَنْصَارِفَبَاتَا بِفَمِ الشِّعْبِ فَاقْتَسَمَا اللَّيْلَ لِلْحِرَاسَةِ
فَنَامَ الْمُهَاجِرِيُّ وَ قَامَ الْأَنْصَارِيُّ يُصَلِّي فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَالْعَدُوِّ فَرَأَى الْأَنْصَارِيَّ
فَرَمَاهُ بِسَهْمٍ فَأَصَابَهُ فَنَزَعَهُوَ اسْتَمَرَّ فِي صَلَاتِهِ ثُمَّ رَمَاهُ بِثَانٍ فَصَنَعَ كَذَلِكَ
ثُمَّ رَمَاهُبِثَالِثٍ فَنَزَعَهُ وَ رَكَعَ وَسَجَدَ وَ قَضَى صَلَاتَهُ ثُمَّ أَيْقَظَرَفِيقَهُ
فَلَمَّا رَأَى مَا بِهِ مِنَ الدِّمَاءِ قَالَ لِمَ لَا أَنْبَهْتَنِيأَوَّلَ مَا رَمَى؟
قَالَ : كُنْتُ فِي سُورَةٍ فَأَحْبَبْتُ أَنْ لَاأَقْطَعَهَا.
فَظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى مَا ذَهَبَإِلَيْهِأَحْمَدُوَ إِسْحَاقُوَ مَنْ تَبِعَهُمَا فَتَفَكَّرْ .
وَ قَالَالشَّافِعِيُّيَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ ، وَ إِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنَ الدِّرْهَمِ
قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ : وَ قَالَزُفَرُوَ الشَّافِعِيُّلَا تَجُوزُ قَلِيلُ النَّجَاسَةِ وَ كَثِيرُهَا سَوَاءٌ
لِأَنَّالنَّصَّ الْمُوجِبَ لِلتَّطْهِيرِ لَمْ يُفَصِّلْ . انْتَهَى .
قَالَالْعَيْنِيُّفِي شَرْحِالْبُخَارِيِّ : قَالَابْنُ بَطَّالٍ : حَدِيثُأَسْمَاءَأَصْلٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ
فِي غَسْلِ النَّجَاسَاتِ مِنَ الثِّيَابِ ،ثُمَّ قَالَ : وَ هَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عِنْدَهُمْ عَلَى الدَّمِ الْكَثِيرِ
لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَطَ فِي نَجَاسَتِهِ أَنْ يَكُونَ مَسْفُوحًا وَ هُوَكِنَايَةٌ عَنِ الْكَثِيرِ الْجَارِي ؛
لِأَنَّ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِيمِقْدَارِ مَا يُتَجَاوَزُ عَنْهُ مِنَ الدَّمِفَاعْتَبَرَ الْكُوفِيُّونَ فِيهِ
وَ فِي النَّجَاسَاتِ دُونَالدِّرْهَمِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ قَلِيلِهِ وَ كَثِيرِهِ ،
وَ قَالَمَالِكٌ : قَلِيلُ الدَّمِ مَعْفُوٌّ وَيُغْسَلُ قَلِيلُ سَائِرِ النَّجَاسَاتِ ،
وَ رُوِيَ عَنِابْنِ وَهْبٍأَنَّ قَلِيلَ دَمِ الْحَيْضِ كَكَثِيرِهِ وَ كَسَائِرِ الْأَنْجَاسِبِخِلَافِ سَائِرِ الدِّمَاءِ ،
وَ الْحُجَّةُ فِي أَنَّ الْيَسِيرَ مِنْ دَمِالْحَيْضِ كَالْكَثِيرِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِوَ سَلَّمَلِأَسْمَاءَ
) حُتِّيهِ ثُمَّ اقْرُصِيهِ)