أخى المسلم
أعلم أن هذان الأسمان الشريفان يشيران إلى التوحيد الخالص و يدلان عليه بمفهومهما
فالله وحده هو الذى قدر الضرر على من شاء من عباده
عقابا له أو تمحيصا لقلبه أو رفعا لدرجته
و هو النافع لمن شاء من عباده بما شاء من أنواع النفع الماديه و المعنويه
و لا راد لقضائه و لا معقب لحكمه و من الأدب مع الله تبارك و تعالى
ألا ننسب الضر اليه مباشرة بل نقول
( الضار ) هو الذى قدر الضرر لحكمة يعلمها و لا بد من حصوله ردعا للمعتدين
و دفعا لظلم الظالمين و ما من ضر يلحق بقوم الا و يتبعه نفع لأخرين كما قال القائل
مصائب قوم عند قوم فوائد
و كثيرا ما يكون النفع مصحوبا بالضرر كالدواء المر
فأنه ينفع نفعا عظيما بسبب ما فيه من المرارة أو الحموضة أو صعوبة تجرعه و تعاطيه
فهل يقال للطبيب الذى يصف هذا الدواء ،
أو يقوم بإجراء عملية جراحية لمن هو فى حاجة إليها أنه ضار
إن الله بالناس رؤوف رحيم فان تابوا إليه فهو حبيبهم و إن نأوا عنه فهو طبيبهم
قال تعالى
( وَإِنْ يَمْسَسْك اللَّه بِضُرٍّ فَلَا كَاشِف لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ
يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )
يونس 107
( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ
وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الخير إنك على كلّ شئ قدير )
آل عمران 26
( مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ۖ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ
وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا )
النساء 79
صدق الله العظيم
أخى المسلم
إن من الأدب مع الله أن ننسب له الخير و ننسب لأنفسنا الشر
و إن كان الجميع منه إيجادا و خلقا
إن الله فى الاية السابقة لم يقل جل شأنه بيدك الخير و الشر
ليعلمنا الأدب معه فى الدعاء و فى غيره
مع إن نزع الملك و إذلال بعض الخلق يبدو لغير المتأمل أنه شر
و لكن عند التأمل يظهر أنه من قبيل الخير و ليس كل ضر شرا
و أن ما أصابك من خصب و رخاء و صحة و سلامة فبفضل الله عليك و إحسانه إليك
و ما أصابك من جدب و شدة فبذنب أتيته و عوقبت عليه
و قد حكى الله عز وجل عن سيدنا إبراهيم عليه السلام مقولة عظيمة حاج بها قومه
فقال سبحانه
( الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ )
الشعراء 78-80
فلقد أسند المرض لنفسه و لم ينسبه إلى ربه تأدبا معه
و الخضر عليه السلام
عندما أخبر موسى عليه السلام بالحكمة من خرق السفينة قال
( فأردت ان أعيبها ) كما حكى القرآن عنه
و لم يقل فأراد ربك أن يعيبها
و قد نسب الخير له عز شأنه عندما اخبره عن الحكمة فى بناء جدار اليتيمين
فقال كما حكى القرآن عنه
( فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي )
الكهف 82
و قال الله عز و جل حكاية عن أيوب عليه السلام
( وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ )
الانبياء 83
( وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ )
ص 41
صدق الله العظيم
فقد نسب أيوب عليه السلام
نسب المس للضر فى الآية الأولى
و أسنده للشيطان فى الآية الثانيةتأدبا مع خالقه و مولاه
قال تعالى حكاية عن الجن
( وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً )
الجن 10
صدق الله العظيم
فها هم قد أبهموا فاعل الشر و لم يذكروه ...... تأدبا مع الله جل و علا
و أسندوا الرشد إليه لأنه أهله و الهادى إليه
رُوى عن أبن عباس رضى الله تعالى عنهما أنه قال
كنت رِدف رسول الله صلى الله عليه و سلم
فقال لى رسول الله صلى الله عليه و سلم
يا غلام أو يابُنى
الا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن
قلت بلى يا رسول الله
قال
أحفظ الله يحفظك ، أحفظه تجده أمامك تعرف إلى الله فى الرخاء يعرفك فى الشدة
و إذا سألت فأسأل الله و إذا أستعنت فأستعن بالله قد جف القلم بما هو كائن
فلو أن الخلق كلهم جميعا أرادوا أن ينفعوك بشئ لم يقضه الله لك لما قدروا عليه
و إن أرادوا أن يضروك بشئ لم يقضه الله لم يقدروا عليه
و أعمل لله بالشكر فى النعم و أعلم أن اليقين فى الصبر على ما تكره
و أن النصر مع الصبر و أن الفرج مع الكرب و أن مع العسر يسرا
صدق رسول الله صلى الله عليه و سلم
أخى المسلم
يجب أن تعلم أن لا نافع و لا ضار إلا الله وحده و كلاهما فعله
فلا فاعل فى الوجود إلا الله تعالى
فكل نفع يدر على العبد فى الدنيا فهو من الله تعالى
و كل عبد صدر منه منفعة فهو مسخر من الله تعالى
و كذلك القول فى الضر فالدنيا مقسمة بين ضر و نفع و الأخرة كذلك
فالجنة نفع صاف ، و النار ضر خالص
و مافى الدنيا من ضر يعود إلى محل نفع فى الأخرة فيكون ضرا مجازيا
و قد يكون إلى محل الضر فى الأخرة فيكون ضرا حقيقيا
و اذا أستقربت جميع منافع الدنيا وجدت فيها منافع مجازية و حقيقية
و المنفعة الحقيقية هى التى تنفعك فى الأخرة و ترفعك إلى الذروة العليا
و مهما أتاح الله لك منفعة فأنفع غيرك و لا تكنز عنه خيره
فبذلك تكون لنفسك نافعاً و يكون نفعك لك عند الله شافعاً
أخى المسلم
نختتم شرح هذين الأسمين الكريمين و نقول
على كل مسلم أن يستعين بالله تعالى فى شأنه كله
و أن يسأله المزيد من فضله ، و أن يحفظ دينه ما أستطاع إلى ذلك سبيلا
و أن يتجه بقلبه إليه وحده فى البأساء و الضراء و الشدة والرخاء
فانه هو الغنى المغنى المانع ، الضار النافع الذى بيده مقاليد الأمور
و على العبد أن يتعرف على الله عز و جل أكثر و أكثر فى اوقات الرخاء
فيعطف على الفقراء و المساكين و يمسح لو بالكلمة الطيبة دموع البائسين المحرومين
و يتعاون مع الناس بالبر و التقوى
فإن الله عز و جل يقابل الإحسان بالإحسان
و يضاعف الأجر لمن أخلص إليه النية فى كل عمل صالح
فان الأعمال لا تكون صحيحة مقبولة إلا بالنية و معناها الإخلاص التام
و عليه أن يضرع إلى الله فى أوقات الرخاء أكثر مما يتضرع إليه فى أوقات الشدة
روى الترمذى فى صحيحه عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه
أن النبى صلى الله عليه و سلم قال
( من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد فليكثر الدعاء فى الرخاء )
صدق رسول الله صلى الله عليه و سلم
اللهم يا ضار يا نافع رضِينا بقضائك و قدرك
وألهمنا الصبر على طاعتك ، و صِلنا بحبال مودتك
و أجمع قلوبنا عليك
و أدفع عنا السوء بما شئت و كيف شئت
إنك على ما تشاء قدير و بالإجابه قدير
إنك أنت نعم المولى و نعم النصير