الشيخ : توفيق الصائغ
كرسي طبيب الأسنان
ثلاثة كراسي يُستعاذ بالله منها : كرسي طبيب الأسنان ،
وكرسي الاعتراف ، وكرسي الاعدام بالصعق الكهربائي ..
جلست خلال الشهرين الماضيين على كرسي طبيب الأسنان مراراً ،
كلما غادرته دعوت الله أن يكون آخر العهد به ،
كرسي طبيب الأسنان ترهبه النفوس ، وتوجل منه القلوب ،
وقد وجدت رجالاً نخر السوس أضراسهم نخراً ،
لا يمنعهم من العلاج إلاّ رهبة الكرسي ،
يرون أنّ الصبر على السوس خير من الجلوس ،
ترى الرجل القوي الجلد ، مفتول العضلات ،
ضخم الجثة والشارب ( يقف الصقر على شاربه كما يقولون )
ومع ذلك يحسب لذلك الكرسي ألف حساب .. وحُقّ له ،
حسبك فقط ( إبرة البنج ) التي مجرد النظر إليها عذاب ، فكيف بعملها ؟!
انتهاءً بأعمال الهدم والبناء التي تتم على ذلك الكرسي .
كرسي عجيب تملك أن تجلس عليه بإرادتك لكنك لا تملك ما بعد ذلك ،
لأنك ستكون مسلوب الإرادة تماماً كالريشة في مهب الريح .
في كل مرة أخرج فيها من عيادة طبيب الأسنان أحدث نفسي :
ألم يكن تجشم عناء الفرشة ثلاث مرات في اليوم
أهون من جلسة على هذا الكرسي ال...؟!
على طريقة الشيخ الراحل علي الطنطاوي يرحمه الله :
ما الذي جرّني إلى هذا الحديث ،
وإلى هذه المقدمة ( شو كُنّا عم نحكي ؟ ) ..
نعم نعم أردت أن أدلف إلى موضوعٍ مهم وهو أنّه ليس
في الواقع مهنة دون عند التحقيق .. الناس بطبعهم يحبون
الوظائف التي يشعرون معها أن لهذه الوظيفة قيمة اجتماعية ،
يأنف الواحد أن يعمل مثلاً نادلاً في مطعم أو مقهى ، أو سائقاً ،
أو حارساً .. اكتشفت وأنا على كرسي طبيب الأسنان
أنّ المسألة نفسية ليس إلاّ .. ففي الوقت الذي يأنف فيه بعض شبابنا من العمل في مهنة سائق مثلاً ، لا يجد ( الكابتن الطيار ) هذه الأنفة بل على العكس يرى المجتمع
أنها من المهن المحترمة التي يحلم بها كثير من شبابنا
مع أن الحقيقة أنه تعددت الأسماء والقصد واحد .
وفي الوقت الذي يأنف فيه شبابنا من مهنة النادل ،
تجدهم يتسابقون على مهنة المضيف الجوي ،
وهل هذه إلاّ تلك إلاّ أن هذه في الأرض وتلك في السماء ..
قطعاً أنا هنا أناقش الناحية النفسية لا العائد المادي .
في كرسي طبيب الأسنان اكتشفت أن طبيب الأسنان
يقوم بأعمال الحفر والترميم ، القص والنحت ،
بل يستخدم الجبس والحديد ، كما لو كان بناءًا أو (معلم جبس) أو حداداً ،
يمارس الكي والخياطة ..إذاً ليس في العالم مهنة دنية ،
كل المهن تظلّ ذات قيمة دام أن الإنسان بحاجتها .. ما أحوجنا لهذه الثقافة ،
وقد كتبت قبلاً : يدٌ حقها التقبيل ،
وما أحوجنا إلى تربية الناشئة عليها حتى يُحفظ لكلٍ حقه وكرامته .
بلغني أن عامل النظافة في بعض الدول العربية يُسمى :
مهندس البيئة أو كلمة نحوها بما يدلّ على مراعاة النفسيات
مع أصحاب المهن التي نحن أحوج إليها قطعاً أو أشد حاجة إليها من كثير من المهن الشرفية ،
والالفاظ تضفي على المعاني معان ، وتعمل عملها :
تقول هذا مُجاج النحل تمدحــــــه *** وإن تشأ قلت ذا قيء الزنابيــر
مدحاً وذماً وما جاوزت وصفهما *** والحق قد يعتريه سوء تعبيـــر
جعلكم الله في عافية من ذلك الكرسي ، وفتح الله لأطباء الأسنان ابواب الرزق .
آميـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــن
SuzanneYousefAl-Mohtaseb
PrincipalAssistant
EnglishCoordinator
ISOand InternalAuditingcommitteesmember
