الأمثال النبوية 3
من:الأخ الزميل / إبراهيم أحمد
موقع يسارعون في الخيرات الصديق
الأمثال النبوية-3
من أمثال فضائل الأعمال في الحديث النبوي
النفس البشرية تتطلع دائما إلى ما يحقق لها السعادة والنجاح ,
ويكفل لها الفوز والفلاح , ويعود عليها بالنفع والمصلحة ,
وهي تخشى وتضيق من كل ما يجلب لها الشقاء ,
ويعود عليها بالضرر والهم والحزن ,
ومن هنا كان الترغيب في بعض الأعمال وذكر فضائلها ,
والترهيب من أعمال أخرى وذكر مساوئها , له أثره البالغ
في حث النفوس على الخير والفضيلة , وإبعادها عن الشر والرذيلة ،
ففي الترغيب تشويق للعمل , وحث على البذل , وحفز للهمة ,
وشحذ للعزيمة ,
وفي الترهيب تخويف وردع , وتحذير من طول الأمل ,
ودفع إلى تطهير النفس من الأرجاس ،
من أجل ذلك ضرب النبي صلى الله عليه وسلم الكثير من الأمثال
في أبواب فضائل الأعمال تحقيقا لهذا الغرض ،
نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ثلاثة نماذج :
النموذج الأول :
في بيان حثه عليه الصلاة والسلام على الصدقة والإنفاق في سبيل الله ,
و تحذيره من البخل والإمساك ،
وذلك في حديث أبي هريرة رضي الله عنه
أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
( مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جُبَّتان من حديد
من ثُدَيِّهما إلى تراقيهما , فأما المنفق فلا ينفق إلا سبغت
أو ـ وفرت ـ على جلده حتى تخفىَ بنانه وتعفوَ أثره ,
وأما البخيل فلا يريد أن ينفق شيئا إلا لزِقت كل حلقة مكانها ,
فهو يوسِّعها ولا تتسع )
رواه البخاري .
ففي هذا الحديث ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً للبخيل
والمتصدق حيث شبههما برجلين أراد كل واحد منهما أن يلبس درعا
ليستتر به من سلاح عدوه , وهما الجُبَّتان أو الجُنَّتان
كما في بعض الروايات ,
فأدخل كل واحد من الرجلين درعه من جهة رأسه ,
وعالجها لتنزل على جسمه , والعادة في الدروع أنها تلبس في الصدر ,
لتغطي المساحة بين ثدي الإنسان وترقوته , من أجل كمال الوقاية والتحصن ,
( فأما المنفق )
فهو كمن لبس درعا واسعة ساترة لجميع بدنه , فهي من الوسع
بحيث يستطيع معها صاحبها أن يمد يده ويتحرك بكل سهولة ويسر ,
وهي أيضاً من الطول والستر والحصانة بحيث تغطي جميع جلده
وأطراف أصابعه وتخفي كل آثاره ,
( وأما البخيل )
فهو كمن لبس درعاً ضيقة جداً قد استحكمت عليه حلقاتها ,
فلم تدع له مجالاً لكي يمد يده ويحركها بحريه , ولايستطيع مع ذلك
كأن يوسعها أويتحكم فيها
* ومقصود المثل أن الجواد والمنفق إذا همّ بالصدقة انفسح لها صدره ,
وطابت بها نفسه , فتوسعت في الإنفاق والبذل ,
بخلاف البخيل الذي كلما همّ بالصدقة شحت نفسه , فضاق صدره ,
وانقبضت يداه
* والحديث يشير أيضاً إلى أن الإنسان إذا عود نفسه البذل والعطاء
صار ذلك سجية له وعادة
وكذلك إذا عودها الشح والإمساك اعتاد ذلك فلا يستطيع بعدها
التخلص منه , ولذلك قيد عليه الصلاة والسلام هذا الدرع بكونه من حديد ,
إشارة إلى أن القبض والإمساك من جِبِلّة الإنسان وفطرته
مما يحتاج معه إلى مدافعة ومغالبة .
النموذج الثاني :-
فهو ترغيبه عليه الصلاة السلام في الصلوات الخمس ,
وحثه على المحافظة عليها , فقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلا لذلك
في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه
سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
( أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات
هل يبقي من درنه شيء قالوا : لايبقى من درنه شيء
قال : فذلك مَثَل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا )
متفق عليه .
ففي هذا الحديث شبه النبي صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس
في تطهيرها للمسلم من الذنوب بالنهر الجاري في تنظيفه للبدن
من الأوساخ , وبدأ المثل بهذا الاستفهام الذي يدل على التأكيد والتقرير ,
فكما أنه لا يمكن أن يتصور وجود شيء من الأقذار والأوساخ
في بدن الإنسان وصاحبه يغتسل كل يوم خمس مرات ,
فكذلك لا يتصور أن يبقى شيء من ذنوب العبد وخطاياه وهو يتطهر منها
كل يوم خمس مرات بهذه الصلوات المفروضات ,
ولذلك كان جواب الصحابة رضي الله عنهم يحمل معنى التأكيد ،
فلم يكتف الصحابة بقولهم لا بل أعادوا اللفظ للتأكيد والمبالغة
في نفي الدرن ،
وفي الحديث أيضا تمثيل للذنوب والمعاصي بأنها أقذار وأوساخ
يتدنس الإنسان بفعلها ,
ولذلك فهو يحتاج إلى أن يتطهر منها على الدوام .
النموذج الثالث :-
ترغيبه عليه الصلاة والسلام في الذكر , وبيان فضل الذاكر على غيره ،
وذلك في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وفيه
قال صلى الله عليه وسلم :
( مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت )
رواه البخاري .
فذكر الله تعالى حياة القلب , وغذاء الروح , وهو يصل العبد بربه ,
ويوثق الرابطة بينه وبين خالقه ، وهذه هي الحياة الحقيقية حياة القلوب
والأرواح , لا حياة الأجساد والأشباح ، والذي لا يذكر الله
هو في الحقيقة ميت وإن عاش بين الأحياء ,
كما قال الشاعر :
[ فنسيان ذكر الله مـــــوت قـــــلوبهم وأجـسامهم قـبل الـقبور قبور .
وأرواحهم في وحشة من جسومهم وليس لهم حتى النشور نشور . ]
هذه بعض النماذج التي حث النبي صلى الله عليه وسلم
فيها على أعمال معينة عن طريق ضرب الأمثال
وغيرها كثير مما لم يذكر .
|