
01-25-2016, 06:07 PM
|
Senior Member
|
|
تاريخ التسجيل: May 2015
المشاركات: 61,465
|
|
تدبر آية الروم
من:الأخ / أديب سعيد
تدبر آية الروم
يجب على كل مسلم في هذا القرآن
أن يتدبر آية الروم
قال العلامة الشنقيطي رحمه الله .
في تفسيره لسورة الروم
عند قول اللَّهُ تعالى :
{ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ *
يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ } .
[ الروم : 6 , 7 ]
اعلم أنه يجب على كل مسلم في هذا القرآن أن يتدبر آية الروم
تدبراً كثيراً ، ويبين ما دلت عليه لكل من استطاع بيانه له من الناس .
وإيضاح ذلك :
أن من أعظم فتن آخر الزمان التي ابتلى ضعاف العقول من المسلمين
شدة إتقان الإفرنج ، لأعمال الحياة الدنيا ومهارتهم فيها على كثرتها ،
واختلاف أنواعها مع عجز المسلمين عن ذلك ،
فظنوا أن من قدر على تلك الأعمال أنه على الحق ،
وأن من عجز عنها متخلف وليس على الحق ،
وهذا جهل فاحش ، وغلط فادح .
وفي هذه الآية الكريمة إيضاح لهذه الفتنة وتخفيف لشأنها
أنزله الله في كتابه قبل وقوعها بأزمان كثيرة ،
فسبحان الحكيم الخبير ما أعلمه ، وما أعظمه ، وما أحسن تعليمه .
فقد أوضح جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن أكثر الناس لا يعلمون ،
ويدخل فيهم أصحاب هذه العلوم الدنيوية دخولاً أولياً ،
فقد نفى عنهم جل وعلا اسم العلم بمعناه الصحيح الكامل ،
لأنهم لا يعلمون شيئاً عمن خلقهم ، فأبرزهم من العدم إلى الوجود ،
وزرقهم ، وسوف يميتهم ، ثم يحييهم ، ثم يجازيهم على أعمالهم ،
ولم يعلموا شيئاً عن مصيرهم الأخير الذي يقيمون فيه إقامة أبدية
في عذاب فظيع دائم :
ومن غفل عن جميع هذا فليس معدوداً من جنس من يعلم
كما دلت عليه الآيات القرآنية المذكورة ،
لما نفى عنهم جل وعلا اسم العلم بمعناه الصحيح الكامل
أثبت لهم نوعاً من العلم في غاية الحقارة بالنسبة إلى غيره .
وعاب ذلك النوع من العلم بعيبين عظيمين :
أحدهما :
قلته وضيق مجاله ، لأنه لا يجاوز ظاهراً من الحياة الدنيا ،
والعلم المقصور على ظاهر من الحياة الدنيا في غاية الحقارة ،
وضيق المجال بالنسبة إلى العلم بخالق السماوات والأرض جل وعلا ،
والعلم بأوامره ونواهيه ، وبما يقرب عبده منه ، وما يبعده منه ،
وما يخلد في النعيم الأبدي من أعمال الخير والشر .
والثاني منهما :
هو دناءة هدف ذلك العلم ، وعدم نبل غايته ،
لأنه لا يتجاوز الحياة الدنيا ،
وهي سريعة الانقطاع والزوال
ويكفيك من تحقير هذا العلم الدنيوي
أن أجود أوجه الإعراب في قوله :
{ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا }
أنه بدل من قوله قبله لا يعلمون ، فهذا العلم كلا علم لحقارته .
قال الزمخشري في الكشاف ، وقوله :
يعلمون بدل من قوله : لا يعلمون ،
وفي هذا الإبدال من النكته أنه أبدله منه وجعله بحيث يقوم مقامه ،
ويسد مسده ليعلمك أنه لا فرق بين عدم العلم الذي هو الجهل ،
وبين وجود العلم الذي لا يتجاوز الدنيا .
وقوله :
{ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا }
يفيد أن الدنيا ظاهراً وباطناً فظاهرها ما يعرفه الجهال
من التمتع بزخارفها ، والتنعيم بملاذها وباطنها ،
وحقيقتها أنها مجاز إلى الآخرة ، يتزود منها إليها بالطاعة
والأعمال الصالحة .
وفي تنكير الظاهر أنهم لا يعلمون إلا ظاهراً واحداً
من ظواهرها ،
و{ هُمْ } الثانية يجوز أن يكون مبتدأ ،
وغافلون خبره ، والجملة خبر ، { هُمْ } الأولى ،
وأن يكون تكريراً للأولى ،
{ غَافِلُونَ } : خبر الأولى ،
وأية كانت فذكرها مناد على أنهم معدن الغفلة عن الآخرة ،
ومقرها ، ومحلها وأنها منهم تنبع وإليهم ترجع .
انتهى كلام صاحب الكشاف وقال غيره :
وفي تنكير قوله :
ظاهراً تقليل لمعلومهم ، وتقليله يقربه من النفي ،
حتى يطابق المبدل منه.اهـ ، ووجهه ظاهر .
واعلم أن المسلمين يجب عليهم تعلم هذه العلوم الدنيوية ،
كما أوضحنا ذلك غاية الإيضاح في سورة مريم في الكلام
على قوله تعالى :
{ أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا }
[ مريم : 78 ]
وهذه العلوم الدنيوية التي بينا حقارتها
بالنسبة إلى ما غفل عنه أصحابها الكفار ،
إذا تعلمها المسلمون ،
وكان كل من تعليمها واستعمالها مطابقًا لما أمر الله به ،
على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم
كانت من أشرف العلوم وأنفعها ،
لأنها يستعان بها على إعلاء كلمة الله ومرضاته جل وعلا ،
وإصلاح الدنيا والآخرة ، فلا عيب فيها إذن
كما قال تعالى :
{ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ }
[ الأنفال : 60 ]
فالعمل في إعداد المستطاع من القوة امتثالًا لأمر الله تعالى
وسعيًا في مرضاته ، وإعلاء كلمته ليس من جنس علم الكفار
الغافلين عن الآخرة ، كما ترى الآيات بمثل ذلك كثيرة .
والعلم عند الله تعالى
|