
01-27-2011, 12:11 PM
|
Moderator
|
|
تاريخ التسجيل: May 2010
الدولة: egypt
المشاركات: 5,722
|
|
47 خطبتى صلاة الجمعة بعنوان / الحُـــزن
47 خطبتى صلاة الجمعة بعنوان / الحُـــزن
لفضيلة العضو الشيخ / نبيل عبدالرحيم الرفاعى
أمام و خطيب مسجد التقوى - شارع التحلية - جدة
حصريــاً لبيتنا و لتجمع الجروبات الإسلامية الشقيقة
و سمح للجميع بنقله إبتغاء للأجر و الثواب
================================================== ================================
الحمد لله أهل المغفرة و التقوى،
أحاط بكل شيء علماً ، و أحصى كل شيء عدداً ،
له ما في السماوات و ما في الأرض و ما بينهما و ما تحت الثرى .
أحمده سبحانه و أشكره و أتوب إليه و أستغفره .
نعمه لا تحصى ، و آلاؤه ليس لها منتهى .
و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
و أشهد أن سيدنا و نبينا محمداً عبده و رسوله .
أخشى الناس لربه و أتقى ، دل على سبيل الهدى و حذر من طريق الردى ،
صلى الله و سلم و بارك عليه و على آله و أصحابه ،
معالم الهدى و مصابيح الدجى و التابعين و من تبعهم بإحسان
و سار على نهجهم و اقتفى .
أمـــا بعـــد :
فيا أيها المسلمون ، أوصِيكم و نفسي بتقوى الله عزّ و جلّ ، فأتقوا الله جميعاً رحمكم الله ،
و قابِلوا إحسانَ ربكم بدوام حمده و شكره ، فهو سبحانه يعامِل عبادَه بإحسانه و فضله ،
فإذا ما استعانوا بإحسانه على عِصيانه أدّبهم بعدلِه ،
فمن جاءه من ربّه ما يحبّ فليشكُر الواهب ، و من أصابه ما يكره فليتّهم نفسه ،
و من انقطعت عنهم متّصِلات الأرزاق فليعودوا باللّوم على أنفسهم و لا يتَّهموا الرزاق ،
وَلَوْ بَسَطَ ٱللَّهُ ٱلرّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ فِى ٱلأَرْضِ
وَلَـٰكِن يُنَزّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاء إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرُ بَصِيرٌ
[ الشورى : 27 ] .
أيها المسلمون ، إنَّ الله جلَّت قدرتُه و تعالى أمره قد خلَق النفسَ البشريّة في أحسن تقويم ،
و حملها في البرّ و البحر ، و رزقها من الطيّبات ، و فضَّلها على كثير ممّن خلق تفضيلا .
و قد كان ممّا خلقه الله في تِلكم النفس المشاعر و الإنفعالات و العواطف و الأحاسيس
التي تعبِّر عنها النفس من خلال الضحِك و البكاء و الهمِّ و الغمّ و الحِلم و الغضب
و الحزن و السرور بقدرِ ما يعتري النفسَ من دواعٍ تستجلِب أيًّا من تلكم المشاعر ،
وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا
[ النجم : 42-44 ] .
و إنَّ من بين تلكم المشاعرِ المودَعَة في النفسِ شعورَ الحزن و الأسف لدى الإنسانِ ،
و الذي يعتريه بين الحينِ و الآخر بسببِ الدواخل و العوارِض المصاحبة له .
بَيدَ أنّ كثيرًا من الناس ليس لديهم من الوعيِ و التصوُّر لهذا الشعور
ما يجعَلهم يحسنون فهمَه و يجيدون التعاملَ معه في حدود الفهمِ الصحيح المشروع ؛
إذ تتراوَح مفاهيمُ جملةٍ منَ الناس فيه صعودًا و هبوطًا في حينِ إنّ الوسط هو العدلُ المقرَّر ،
و لذا كان من حكمةِ الله جلّ و علا أن جعلَ تلكم المشاعرَ تتناوَب في التفاعلِ
مع الإنسانِ على وجه العارِض لا على وجه الديمومةِ ،
و إلاّ لهلك الإنسان بدوامِ الحال مع شعور واحدٍ فحَسب ،
فالحزن على سبيلِ المثال شعورٌ يعترِض المرء أمام المصائب و النوازلِ ،
غيرَ أنَّ سلامته و إستقرارَ حاله يقتضيان عدمَ دوام هذا الشعور ،
و إلاّ كان صاحبُه حرضًا أو كان من الهالكين ،
كما أنّه في الوقت نفسِه لو عاش دائمَ الفرح لا يتطرَّق إليه الحزن بوجهٍ
لخُشِي عليه قسوةُ القلب أو مَوَته ،
قال إبراهيم التيمي يرحمه الله :
" ينبغي لمن لم يحزَن أن يخاف أن يكون من أهلِ النار
لأنَّ أهل الجنة قالوا :
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ
[ فاطر : 34 ] ،
و ينبغي لمن لم يشفق أن يخاف أن لا يكون من أهل الجنّة لأنهم قالوا :
إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ
[ الطور :26 ، 27 ] " ،
و قال الفضيل يرحمه الله :
" إنّ القلب إن لم يكن فيه حزنٌ كالبيت إذا لم يكن فيه ساكن " .
و المحصِّلَة الباعثةُ على استقرار النفس و حُسن تعايشها مع المشاعر ـ عبادَ الله ـ
هو التوازُنُ و الإعتدال ، فلا ينبغي للمرءِ أن يطلقَ لنفسه العِنان في المغالاةِ في الحزن
و المداومة عليه إعتمادًا على أحاديثَ منسوبةٍ إلى النبي  لا تثبُتُ صحّتُها بأنّه
كان متواصِلَ الأحزان ،
أو كما في الخبر الآخر : (( إنّ الله يحبّ كلَ قلب حزين )) .
الحزن ـ أيها الناس ـ نقيضُ الفرَح و السرور ،
و هو ما يحصل لوقوعِ مَكروه أو فواتِ أمرٍ محبوب ،
و أمّا ما يتعلَّق بالمستقبل فإنه يقال له : همّ ،
و إذا ما اشتدَّ الحزن حتى يصرِفَ المرءَ عمّا هو بصدَدِه و يقطعه عن مواصلةِ الطريق
فإنه يقال له : جَزَع ، و هو أبلغ من الحزن ، و قد نهِيَ عنه شرعًا .
ثم إنَّ من المتقرِّرِ في هذا الصدَدِ ـ عبادَ الله ـ أنَّ كثرةَ الحزن سببٌ لضعف البدن
كما ذكر ذلك جماعةٌ من أهل العمل و الحِكمة ، غيرَ أنّه عرَض جبليٌّ فِطري
ينتاب بني البشَر عندما يغالبون صروفَ الحياة و محَنَها ،
و هو ميدان لا بد للمرء من نزوله على هذه البسيطة ؛
لأنَّ المرء مبتلًى في هذه الحياة الدنيا لا محالةَ ، كما قال تعالى :
أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ
[ العنكبوت : 2 ] .
و الحزن مرتهنٌ بالبلاء لكنّه في الوقتِ نفسِه ليس من المطالبِ الشرعيّة
و لا من المستحبَّات في كثير من صوَرِه ، و ما الإستحباب و النّدب إلا
في كيفيّة التعامل معه لا في تحصيلِه و إيجادِه ، قال عكرمة يرحمه الله :
" ليس أحدٌ إلا و هو يفرح و يحزن ،
و لكن اجعَلوا الفرَح شُكرًا و الحزنَ صَبرًا" .
فالحزن ـ عباد الله ـ لم يرِد في القرآن إلا منهيًّا عنه ،
كما في قوله تعالى :
وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ
[ آل عمران : 139 ] ،
و قوله :
وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ
[ الحجر : 88 ] ،
و قوله :
لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا
[التوبة:40] ،
و قوله :
وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ
[ يونس : 65 ]
و الآيات في ذلك كثيرة .
و سبَبُ النهيِ عن الحزن أنه لا مصلحةَ فيه للقلب ، بل هو أحبّ شيءٍ إلى الشيطان
أن يحزِّنَ العبدَ ليقطَعَه عن مواصلَةِ طريق الحقّ ،
كما قال سبحانه و تعالى :
إِنَّمَا النَّجْوَى مِنْ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا
وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ
[ المجادلة : 10 ] ،
|