
02-05-2011, 12:07 PM
|
Moderator
|
|
تاريخ التسجيل: May 2010
الدولة: egypt
المشاركات: 5,722
|
|
49 خطبتى صلاة الجمعة بعنوان / عــاشــوراء
49 خطبتى صلاة الجمعة بعنوان / عــاشــوراء
لفضيلة الأخ الشيخ / نبيل عبدالرحيم الرفاعى
أمام و خطيب مسجد التقوى - شارع التحلية - جدة
حصريــاً لبيتنا و لتجمع الجروبات الإسلامية الشقيقة
و سمح للجميع بنقله إبتغاء للأجر و الثواب
================================================== ================================
الحمد لله، جرَت بالأقدار أقلامُه ، و مضَت في الخلائق أحكامُه ،
أحمده سبحانه وأشكره شكرًا يزيد به فضلُ ربّي و إِنعامه ،
و أشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له شهادةَ حقٍّ و يقين
يزول بها عن القلبِ غِشاوته و ظلامُه ،
و أشهد أنّ سيّدَنا و نبينا محمّدًا عبد الله و رسوله
ببعثته و رسالته كمل الدِّين و أرتفعت أعلامه ،
صلى الله و سلَّم و بارك عليه و على آله و أصحابِه
صلواتٍ و سلامًا و برَكات دائِمَاتٍ ما دام الدّهرُ ليالِيه و أيّامُه ،
و التابعين و من تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدّين .
أمــــا بعـــــد :
فأتقوا الله يا عباد الله ، ثقوا بنصر الله إذا توفرت أسبابه ،
من الصدق و الإخلاص و الإستقامة على شرعه
و التضرع بين يديه و رجائه و الخوف منه وحده دون سواه .
أيها المسلمون ، عاشوراء يوم النصر العظيم ، و يوم الصراع بين الحق و الباطل ،
و بين أولياء الرحمن و أولياء الشيطان ، قديم قدم البشرية ذاتها ،
و لن يزال مستعرًا إلى قيام الساعة ،
و هذه سنة الله في خلقه ، و هي مقتضى حكمته و رحمته ،
فيقول و قوله الحق سبحانه و تعالى :
{ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ
وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ
فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا }
[النساء:76] ،
و قال أيضاً سبحانه و تعالى :
{ ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ
وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ }
[محمد:4] .
فالله تعالى قادر على أن يهلك الظالمين في لحظة ، و يأخذهم على حين غرة ،
و لكنه أبتلى بهم عباده المؤمنين ليكشف معادنهم ،
و يمتحن صدقهم و صبرهم و جهادهم و بذلهم . فبالإبتلاء يتميز المؤمن الصادق
من الدعي المنافق , و يتبين المجاهد العامل من القاعد الخامل .
و لقد قصَّ الله لنا فصولاً كثيرة من هذا الصراع بين المؤمنين و الكافرين .
عباد الله ، و من هذه القصص العظيمة قصة موسى عليه الصلاة و السلام
مع فرعون مصر في عهده ، و التي تكرر ذكرها في القرآن فيما يقارب ثلاثين موضعًا ،
و هي أكثر القَصص القرآني تكرارًا ؛
و ذلك لمشابهتها لما كان يعانيه الرسول من صناديد قريش و فراعنة هذه الأمة ,
و لما فيها من التسلية له و للمؤمنين حينما يشتد عليهم أذى الكفار و المنافقين ،
و لما أشتملت عليه من العظات البالغة و الدروس و الحكم الباهرة
و الحجج و الآيات القاطعة .
إخوة الإيمان : و تبدأ قصة موسى مع فرعون منذ أن كان موسى حملاً في بطن أمه ،
فقد قيل لفرعون : إن مولودًا من بني إسرائيل سيولد ،
و سيكون على يديه هلاكك و زوال ملكك .
و إسرائيل هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم الصلاة و السلام ،
و قد نزح إسرائيل و أولاده من الشام إلى مصر في عهد يوسف بن يعقوب عليهما السلام ،
و كان عددهم آنذاك ثمانين شخصًا ، ثم لم يزل عددهم ينمو و نسلهم يتكاثر
حتى بلغوا في عهد فرعون الطاغية ستمائة ألف إنسان .
و عندما أخُبِر فرعون أن زوال ملكه سيكون على يد غلام من بني إسرائيل ،
أصدر أوامره بقتل أبنائهم و أستحياء نسائهم ، حذرًا من وجود هذا الغلام ،
و لن يغني حذر من قدر ،
{ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }
[يوسف:21] .
و أحترز فرعون كل الأحتراز أن لا يوجد هذا الغلام ، حتى جعل رجالاً و قابلات
يدورون على النساء الحوامل ، و يعلمون ميقات وضعهن ،
فلا تلد أمرأة ذكرًا إلا ذبحه من ساعته .
و كان هارون عليه السلام قد ولد قبل بدء هذه المحنة ، فأنجاه الله من كيد فرعون ،
و أما موسى عليه السلام فإنه لما حملت به أمه حرصت على إخفاء حملها
خوفًا عليه من القتل ، و كان خوفها عليه يزداد مع مرور الأيام و قرب و قت المخاض ،
و لما وضعته ذكرًا ضاقت به ذرعًا ، و ضاقت عليها الأرض بما رحبت ،
و ركبها من الهمّ و الخوف ما لا يعلمه إلا الله ، و كان خوفها عليه أضعاف فرحها بقدومه ،
و لكن الله جل و علا ألهمها بما يثبّت به فؤادها ،
{ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ
وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ }
[القصص:7] ،
فأستجابت أم موسى لهذا الإلهام ، و صنعت لأبنها صندوقًا و ألقته في نهر النيل ،
حيث كانت دارها مجاورة له ، ألقته في النهر و كأنما ألقت معه عقلها و قلبها ،
فأصبح صدرها خاليًا من الطّمأنينة ،
{ وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ
لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ }
[القصص:10] ،
و يمضي الموج بالوليد الضعيف داخل الصندوق ، يحفه الله بعنايته ،
و يكلؤه بحفظه و رعايته ، حتى بلغ قصر فرعون ، فألتقطه آل فرعون ،
و لما فتحوا التابوت وجدوا فيه ذلك الغلام الضعيف ،
و لكن رب الأرباب و مالك القلوب و الألباب يلقي في قلب آسية زوجة فرعون
فيضًا من الرحمة و الرأفة و الحنان على هذا الطفل الرضيع ،
{ وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ
عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ }
[القصص:9] ،
و قد أنالها الله ما رجت منه من النفع و الخير , فهداها الله بسببه ،
و جعلها من أهل جواره و جنته ،
و لكن هذا الطفل المحفوف بعناية الله يفاجئهم بأنه لا يقبل ثدي امرأة ليرضع ،
فحاروا في أمره ، و أجتهدوا في تغذيته بكل ممكن ،
و هو لا يزيدهم إلا عنتًا و حيرة و رفضًا و أستعصاءً ،
و بينما هم كذلك فإذا بأخته تقبل عليهم ،
و كانت أمها قد أمرتها بأن تتابع أخاها و هو في الصندوق ، و أن تقفوا أثره ،
لتعلم مستقره و تستطلع خبره ،
{ وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ *
وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ
هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ }
[القصص:11، 12] ،
ففرحوا بذلك فرحًا شديدًا ، و ذهبوا معها إلى منزلهم ،
فلما رأته أمه ما كادت تصدق عينيها ، فأخذته و ضمته إلى صدرها و ألقمته ثدييها ،
فأخذ يرضع بنَهَم شديد ، و هم في غاية الدهشة و السرور .
و هكذا يأبى الله عز و جل إلا أن يحمل آل فرعون هذا الوليد إلى أمه
التي خافت عليه منهم ، ثم يعطوها مع ذلك أجرة إرضاعها له ،
و يتعهدوا وليدها بالتربية و الرعاية ،
{ فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ
وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ }
[القصص:13].
و ما زالت الأيام تمضي و الأعوام تترى ، و كبر موسى و بلغ أشده ،
و آتاه الله حكمًا و علمًا ، فصار يأمر و ينهى ، و يقول فيسمع ، و يشفع فيشفع ،
و لا غرو فهو أبن فرعون بالتبني ، و هو ربيبه و واحد من أهل بيته ،
قال الله تعالى :
{ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا
وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ }
[القصص:14] .
و بعد حين وقع في محنة عظيمة ، حيث قتل رجلاً من قوم فرعون ما كان يريد قتله ،
و تخوف من الطلب ، ففر هاربًا إلى أرض مدين ، و لبث فيهم عشر سنين ،
تزوج في أثنائها ، ثم عاد إلى أرض مصر مع أهله ،
و في الطريق إليها أكرمه الله برسالته ، و أوحى إليه بوحيه ،
و كلمه من غير واسطة و لا ترجمان ،
و أرسله إلى فرعون بالآيات القاطعات و السلطان المبين ،
و لكن فرعون عاند و كابر ،
{ فَكَذَّبَ وَعَصَى * ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى * فَحَشَرَ فَنَادَى *
فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى }
[النازعات:21-24] ،
و أدعى أن ما جاء به موسى سحر ، و أن عنده من السحر ما يبطله ،
و جمع السحرة من جميع أنحاء مملكته ، فألقوا ما عندهم من السحر ،
{ فَلَمَّا أَلْقَواْ قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ
إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ }
[يونس:81] ،
{ فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ }
[الشعراء:4] ،
{ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ *
فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَانقَلَبُواْ صَاغِرِينَ * وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ *
قَالُواْ آمَنَّا بِرِبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ }
[الأعراف:118-122] ،
و لما انقطعت حجة فرعون و خاب كيده ، و أنكشف باطله و زيفه
لجأ إلى القوة و البطش و التعذيب و التنكيل و الملاحقة و التشريد
و إرهاب الناس بالنار و الحديد . إنه منطق الطغيان العاتي ،
كلما أعوزته الحجة و خذله البرهان و خاف أن يظهر الحق و يتمكن أهله و رواده .
ثم أرسل الله عز و جل على فرعون و قومه آيات عجيبة و عقوبات متنوعة ،
من الطوفان و الجراد و القُمَل و الضفادع و الدم ،
{ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ }
[المدثر:31] ،
و لكنها ـ و العياذ بالله ـ لم تزدهم إلا عنادًا و إستكبارًا و ظلمًا و عدوانًا ،
يقول الله تعالى :
{ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ
آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ }
[الأعراف:133] ،
و لما تمادى فرعون في طغيانه و إيذائه لموسى و من معه أوحى الله إلى موسى أن يخرج بالمسلمين من أرض مصر ليلاً ، فخرجوا قاصدين بلاد الشام ،
فلما علم فرعون بخروجهم جمع جيشه و جند جنوده من شتى أنحاء مملكته
ليلحقهم و يمحقهم في زعمه ،
{ فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * إِنَّ هَؤُلاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ *
وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ * وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ }
[الشعراء:53-56] .
فخرج فرعون و جنوده في أثرهم ، حتى أدركهم عند البحر الأحمر ،
{ فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُون }
[الشعراء:61] ،
فالبحر أمامهم ، و العدو خلفهم ، فأجابهم موسى بلسان المؤمن الواثق
بأن الله معه و لن يضيعه ، و قال لهم بكل ثقة و ثبات :
{ كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ }
[الشعراء:62] ،
فأوحى الله إليه أن اضرب بعصاك البحر ، فضربه و هو يتلاطم بأمواجه ،
فانفلق ـ بإذن الله ـ أثني عشر طريقًا يابسًا ، و صار هذا الماء السيال
و تلك الأمواج العاتيات كأطواد الجبال الراسيات ، فأنحدروا فيه مسرعين مستبشرين ،
و دخل فرعون و جنوده في أثرهم لاهثين سادرين ، فلما جاوزه موسى و قومه
و تكاملوا خارجين و تكامل فرعون و قومه داخلين أطبقه الله عليهم و أغرقهم أجمعين ،
{ وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا
فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَّا تَخَافُ دَرَكًا وَلا تَخْشَى *
فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ *
وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى }
[طه:77-79] ،
و هذا هو مصير أعداء الله في كل حين ، و تلك هي عاقبة المكذبين الضالين ،
و ما ربك بظلام للعبيد ،:
{ فَكُلاً أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا
وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ
وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا
وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }
[العنكبوت:40] .
بارك الله لي و لكم في القرآن العظيم ،
و نفعني و إياكم بما فيه من الآيات و الذكر الحكيم ،
و بهدي محمد  رسول رب العالمين ، أقول قولي هذا ،
و أستغفر الله لي و لكم و لسائر المسلمين من كل ذنب و خطيئة ،
فأستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
|