عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 03-01-2016, 02:01 PM
حور العين حور العين غير متواجد حالياً
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: May 2015
المشاركات: 61,428
افتراضي اتباع هُدَى الله


من: الأخت / الملكة نــور
اتباع هُدَى الله

{ قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً }

[ البقرة : 38 ]

الهبوط نزول مستوى ، كان الإنسان بحالة راقية صار بحالة متعبة ،
تجد الإنسان يصل إلى ثلاثين سنة حتى يتزوج ،
هذا يكون سبَّاقاً إلى الزواج ، حتى يستقر إلى أن يجد له بيتاً ،
مأوى ، زوجة ، أولاداً ، ثلاثين عاماً فما بعد ،
يحتاج إلى سنوات وسنوات حتى يستطيع أن يتحرك حركة معقولة ،
فهؤلاء الذين كسبوا المال حصَّلوه بجهدٍ جهيد ،
فلمَّا حصَّلوه ما بقي لهم كثير ولا قليل حتى يغادروا الدنيا ،
فالدنيا دار تعب

{ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) }
[ البقرة : 38 ]

العبرة ليست في الشباب ولكن في الشيخوخة ، العبرة في خريف العمر ،
هذه المرحلة من العمر متعلِّقة بالشباب ، أحد الصالحين هنا في الشام
عَلَّم الطلاَّب ثمانين سنة ، بدأ بالتعليم في الثمانية عشر وتوفي في
الثمانية والتسعين وهو قائم على التعليم ؛ التعليم الديني ،
وكان يقول للطالب :
يا بني أنت تلميذي ، وكان أبوك تلميذي ، وكان جدَّك تلميذي ،
أي أنه علَّم ثلاثة أجيال ، وخرَّج آلافاً مؤلَّفة من أعلام هذه البلدة ،
وكان في الثمانية والتسعين منتصب القامة ، حاد البصر ،
مُرْهَف السمع ، أسنانه في فمه ، متَّعه الله بقوَّته ،
فكان إذا سُئل : يا سيدي ما هذه الصحَّة التي أكرمك الله بها ؟!
يقول : يا بني حفظناها في الصِغَرْ فحفظها الله علينا في الكِبَرْ ،
من عاش تقياً عاش قويَّاً ، لذلك خريف العمر متعلِّق بالشباب

{ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ }
[ البقرة : 38 ]

لا خوفٌ عليهم من المستقبل ، يضمن الله لهم مستقبلاً مريحاً ،
ولا يحزنون على ما مضى لأنهم قادمون إلى الجنَّة ،
إنسان يسكن في حيّ فقير ، في حي متواضع جداً ،
وفي بيت صغير تحت الأرض ، مساحته ثمانون متراً ،
عنده ثمانية أولاد ، فإذا انتقل إلى بيت مساحته أربعمئة متر
له إطلالة جميلة جداً ،
هل هناك ألم في أثناء نقل الأثاث ؟
هل هناك انقباض ؟ هل هناك ضيق ؟

بالعكس هناك فرح ، وسرور ، واستبشار ،
الانتقال إلى الأحسن مسعد للنفس ،
إذا عَمَّر الإنسان الآخرة سهُل عليه أن ينتقل إليها

{ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ }
[ البقرة : 40 ]

أي أنتم انحدرتم من إسرائيل وهو صفي الله عزَّ وجل ،
فَلِمَ أنتم كذلك ؟
تماماً كما لو تثير نخوةَ شاب ، أنت ابن فلان ، وأبوك إنسانٌ كبير ،
وإنسانٌ عالِم ، وإنسانٌ كريم ، وإنسانٌ محترم
فَلِمَ أنت تفعل ذلك ؟

{ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ }
[ البقرة : 40 ]

هناك أيها الأخوة نعمةٌ وهناك مُنْعِم ،
الكافر مع النعمة ، أما المؤمن مع المُنعم ،
وما لم تنتقل من النعمة إلى المنعم فلست مؤمناً ،
الكفَّار في كل مكان يستمتعون بنعم الله أَيَّما استمتاع ،
بل إن الكفَّار أكثر من المؤمنين استمتاعاً بالنعم لأنها نصيبهم الوحيد
من الله عزَّ وجل ، بلادهم جميلة ، وأموالهم طائلة ،
وقوَّتهم مسيطرة ومع ذلك هم غارقون في المعاصي والآثام .

{ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ }
[ البقرة : 41 ]

يمكن للإنسان أن يتاجر بالدين ، يمكن أن يستخدم القرآن لمصالحه ،
ويمكن أن يستخدم العلوم الدينية لمصالحه ،
ولكن هذا الإنسان هو أشقى الناس إذا لعب الإنسان بدين الله
يفرمه الله فرماً ، فهذا الدين دين الله عزَّ وجل لا تقربه بسوء ،
فإذا أراد الإنسان أن يتاجر به ، أو أن يُضِل الناس ،
فالله كبير وعقابه أليم وشديد .

ادعى شخص من الباكستان النبوَّة ، وقال :
[ خاتم الأنبياء ليس معناه أنه آخر الأنبياء ،
أي أن كلامه يصدِّق من يأتي بعده ] ،

وادَّعى أنه نبي ،
وكانت هناك جائحة كبيرة جداً من مرض الكوليرا بالباكستان ،
وزعم أنه لن يُصَاب بالكوليرا لأنه نبي ،
فالذي حدث أنه أُصيب بالكوليرا ومات داخل المرحاض ،
أي أن الله عزَّ وجل فضحه

{ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ *
وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }

[ البقرة : 40 , 42 ]

هناك طُرْفَة ، أحد سماسرة البيوت دخل وصلَّى العشاء باتجاه الشمال ،
ليوهمهم أن هذا البيت اتجاهه قبلي ، فمن أجل أن يبيع البيت باع دينه ،
من أجل أن يبيع هذا البيت باع دينه كلَّه ، وهذا يحدث كل يوم ،
طبعاً هذا مثل حاد ، يمكن لإنسان أن يحلف يمين كذب ،
أو أن يشهد شهادة زور ، ممكن لمصلحة مُعَيَّنة
أن يستعصي في بيت قد استأجره ،
ويقول لك :
[ أنا القانون معي ، أي أنه باع دينه بعرضٍ من الدنيا قليل ]

تفسير الدكتور محمد راتب النابلسي

رد مع اقتباس