قَوْلُهُ : ( حَدِيثُوَابِصَةَحَدِيثٌ حَسَنٌ )
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَ صَحَّحَهُأَحْمَدُوَ ابْنُ خُزَيْمَةَوَ غَيْرُهُمَا
قَوْلُهُ : ( وَ بِهِ يَقُولُأَحْمَدُوَ إِسْحَاقُ)
وَ بِهِ قَالَ بَعْضُ مُحَدِّثِي الشَّافِعِيَّةِكَابْنِ خُزَيْمَةَ، وَ مِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَالنَّخَعِيُّ،
وَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍوَ بِهِ قَالَ قَوْمٌ مِنْأَهْلِ الْكُوفَةِكَمَا بَيَّنَهُالتِّرْمِذِيُّ،
وَ اسْتَدَلُّوا بِأَحَادِيثِ الْبَابِ ( وَ قَدْ قَالَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ تُجْزِئُهُ إِذَا صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ ،
وَ هُوَ قَوْلُسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ،وَ ابْنِ الْمُبَارَكِ،وَ الشَّافِعِيِّ)وَ هُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ ،
وَ اسْتُدِلَّ لَهُمْ بِحَدِيثِأَنَسٍ، قَالَ : صَلَّيْتُ أَنَا وَ يَتِيمٌ فِي بَيْتِنَا خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ ،
وَ أُمِّيأُمُّ سُلَيْمٍخَلْفَنَا . رَوَاهُالْبُخَارِيُّوَ مُسْلِمٌ،
قَالَالزَّيْلَعِيُّفِي نَصْبِ الرَّايَةِ : وَ أَحْكَامُ الرِّجَالِ وَ النِّسَاءِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ انْتَهَى .
وَ قَالَابْنُ بَطَّالٍ : لَمَّا ثَبَتَ ذَلِكَ لِلْمَرْأَةِ كَانَ لِلرَّجُلِ أَوْلَى انْتَهَى .
وَرُدَّ هَذَا الِاسْتِدْلَالُ بِأَنَّهُ إِنَّمَا سَاغَ ذَلِكَ لِلْمَرْأَةِ لِامْتِنَاعِ أَنْ تَصُفَّ مَعَ الرِّجَالِ ،
بِخِلَافِ الرَّجُلِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَصُفَّ مَعَهُمْ ، وَ أَنْ يُزَاحِمَهُمْ
وَ أَنْ يَجْذِبَ رَجُلًا مِنْ حَاشِيَةِ الصَّفِّ فَيَقُومَ مَعَهُ فَافْتَرَقَا .
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ : قَالَابْنُ خُزَيْمَةَ
: لَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ لِأَنَّ صَلَاةَ الْمَرْءِ خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ مَنْهِيٌّ عَنْهَا
بِاتِّفَاقٍ مِمَّنْ يَقُولُ تُجْزِئُهُ أَوْ لَا تُجْزِئُهُ ،
وَ صَلَاةُ الْمَرْأَةِ وَحْدَهَا إِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ امْرَأَةٌ أُخْرَى مَأْمُورٌ بِهَا بِاتِّفَاقٍ ،
فَكَيْفَ يُقَاسُ مَأْمُورٌ عَلَى مَنْهِيٍّ انْتَهَى .
وَ اسْتُدِلَّ لَهُمْ أَيْضًا بِحَدِيثِابْنِ عَبَّاسٍبِأَنَّهُصَلَّى خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ
فَأَخَذَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ بِيَدِهِ وَ جَعَلَهُ حِذَاءَهُ وَ لَمْ يَأْمُرْهُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ .
وَ أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ رِوَايَةَابْنِ عَبَّاسٍهَذِهِ هِيَ إِحْدَى الرِّوَايَاتِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي صِفَةِ دُخُولِهِ
مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي بَاتَ فِيهَا عِنْدَ خَالَتِهِمَيْمُونَةَ،
وَ الَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ وَ غَيْرِهِمَاأَنَّهُ قَامَ عَنْ يَسَارِهِ فَجَعَلَهُ عَنْ يَمِينِهِ ،
وَ هُوَ الْأَصَحُّ الْأَرْجَحُ ،
وَ اسْتُدِلَّ لَهُمْ أَيْضًا بِحَدِيثِأَبِي بَكْرَةَأَنَّهُانْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ وَ هُوَ رَاكِعٌ فَرَكَعَ
قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الصَّفِّ ، ثُمَّ مَشَى إِلَى الصَّفِّ ،
فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ ،
فَقَالَ : زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَ لَا تَعُدْ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ،وَ أَبُو دَاوُدَ،وَ النَّسَائِيُّ،
قَالَالتُّورِبِشْتِيُّوَ مُحْيِي السُّنَّةِ : فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الِانْفِرَادَ خَلْفَ الصَّفِّ لَا يُبْطِلُ
لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ وَ أَرْشَدَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِمَا هُوَ أَفْضَلُ بِقَوْلِهِ : وَ لَا تَعُدْ ،
فَإِنَّهُ نَهْيُ تَنْزِيهٍ لَا تَحْرِيمٍ إِذْ لَوْ كَانَ لِلتَّحْرِيمِ لَأَمَرَهُ بِالْإِعَادَةِ انْتَهَى ،
وَ قَالَابْنُ الْهُمَامِمِنَ الْعُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ : وَ حَمَلَ أَئِمَّتُنَا حَدِيثَوَابِصَةَعَلَى النَّدْبِ
وَ حَدِيثَعَلِيِّ بْنِ شَيْبَانَعَلَى نَفْيِ الْكَمَالِ لِيُوَافِقَا حَدِيثَأَبِي بَكْرَةَإِذْ ظَاهِرُهُ عَدَمُ لُزُومِ الْإِعَادَةِ
لِعَدَمِ أَمْرِهِ بِهَا انْتَهَى كَلَامُهُ مُحَصَّلًا .
قُلْتُ : قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ : جَمَعَأَحْمَدُوَ غَيْرُهُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ ،
يَعْنِي بَيْنَ حَدِيثِوَابِصَةَوَ حَدِيثِأَبِي بَكْرَةَ، بِأَنَّ حَدِيثَأَبِي بَكْرَةَمُخَصِّصٌ لِعُمُومِ حَدِيثِوَابِصَةَ ،
فَمَنِ ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ مُنْفَرِدًا خَلْفَ الصَّفِّ ،
ثُمَّ دَخَلَ فِي الصَّفِّ قَبْلَ الْقِيَامِ مِنَ الرُّكُوعِ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ ، كَمَا فِي حَدِيثِأَبِي بَكْرَةَ،
وَ إِلَّا فَيَجِبُ عَلَى عُمُومِ حَدِيثِوَابِصَةَوَ عَلِيِّ بْنِ شَيْبَانَانْتَهَى ،
وَ هَذَا الْجَمْعُ حَسَنٌ بَلْ هُوَ الْمُتَعَيِّنُ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ بِلَا تَكَلُّفٍ
وَ اللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .
فَـــائِــدَةٌ :
قَدِ اخْتُلِفَ فِي مَنْ لَمْ يَجِدْ فُرْجَةً وَ لَا سَعَةً فِي الصَّفِّ مَا الَّذِي يَفْعَلُ ،
فَقِيلَ : إِنَّهُ يَقِفُ مُنْفَرِدًا ، وَ لَا يَجْذِبُ إِلَى نَفْسِهِ أَحَدًا ،
لِأَنَّهُ لَوْ جَذَبَ إِلَى نَفْسِهِ وَاحِدًا لَفَوَّتَ عَلَيْهِ فَضِيلَةَ الصَّفِّ الْأَوَّلِ ، وَ لَأَوْقَعَ الْخَلَلَ فِي الصَّفِّ ،
وَ بِهَذَا قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ، وَ حَكَاهُ عَنْ مَالِكٍ ،
وَ قَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ : إِنَّهُ يَجْذِبُ إِلَى نَفْسِهِ وَاحِدًا ، وَ يُسْتَحَبُّ لِلْمَجْذُوبِ أَنْ يُسَاعِدَهُ ،
وَ لَا فَرْقَ بَيْنَ الدَّاخِلِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ وَ الْحَاضِرِ فِي ابْتِدَائِهَا فِي ذَلِكَ ،
وَ قَدْ رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ وَ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّ الدَّاخِلَ إِلَى الصَّلَاةِ وَ الصُّفُوفُ قَدِ اسْتَوَتْ
وَ اتَّصَلَتْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَجْذِبَ إِلَى نَفْسِهِ وَاحِدًا لِيَقُومَ مَعَهُ ،
وَ اسْتَقْبَحَ ذَلِكَ أَحْمَدُ وَ إِسْحَاقُ ، وَ كَرِهَهُ الْأَوْزَاعِيُّ وَ مَالِكٌ ،
وَ اسْتَدَلَّ الْقَائِلُونَ بِالْجَوَازِ بِمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ ،
وَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ وَابِصَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ
قَالَ لِرَجُلٍ صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ :
أَيُّهَا الْمُصَلِّي ، هَلَّا دَخَلْتَ فِي الصَّفِّ أَوْ جَرَرْتَ رَجُلًا مِنَ الصَّفِّ ، أَعِدْ صَلَاتَكَ ،
وَ فِيهِ السُّرِّيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، وَ هُوَ مَتْرُوكٌ ، وَ لَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى فِي تَارِيخِ أَصْبَهَانَ لِأَبِي نُعَيْمٍ ،
وَ فِيهَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ وَ فِيهِ ضَعْفٌ ، لِأَبِي دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ
مِنْ رِوَايَةِ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ مَرْفُوعًا : إِنْ جَاءَ رَجُلٌ فَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا فَلِيَخْتَلِجْ إِلَيْهِ رَجُلًا
مِنَ الصَّفِّ فَلِيَقُمْ مَعَهُ فَمَا أَعْظَمَ أَجْرَ الْمُخْتَلِجِ ،
وَ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِإِسْنَادٍ قَالَ : الْحَافِظُ وَاهٍ بِلَفْظِ :
إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ أَمَرَ الْآتِيَ وَ قَدْ تَمَّتِ الصُّفُوفُ
أَنْ يَجْتَذِبَ إِلَيْهِ رَجُلًا يُقِيمُهُ إِلَى جَنْبِهِ كَذَا فِي النَّيْلِ .
أنْتَهَى .
وَ اللَّهُ تَعَالَى أعلى و أَعْلَمُ. و أجل
و صلى الله على سيدنا محمد و على آله و صحبه و سلم
</h4></h4>