
04-12-2016, 10:10 AM
|
Senior Member
|
|
تاريخ التسجيل: May 2015
المشاركات: 61,441
|
|
الأمثال في القرآن - جزء سابع
من: الأخت / الملكة نــور
الأمثال في القرآن
جزء سابع
الأمثال في القرآن
للدكتور الشيخ محمد راتب النابلسي
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد
الصادق الوعد الأمين ، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ،
اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ،
ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
قال تعالى :
{ ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ }
[ الروم : 28 ]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد
وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى صحابته الغر الميامين ،
أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين .
حقيقة الإيمان ليس أن يقر الإنسان بوجود الله
بل أن يؤمن أنه هو الفعال :
أيها الأخوة الكرام ، لا زلنا في أمثال القرآن الكريم ،
والآية اليوم هي قوله تعالى :
{ ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ
مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ
أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }
[ الروم : 28 ]
أيها الأخوة، أن تقول: أنا مؤمن
لأنني أُقر بوجود الله، إبليس اللعين قال :
{ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ }
[ ص : 82 ]
وقال :
{ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ }
[ ص : 76 ]
وقال :
{ قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ }
[ الأعراف : 14 ]
لكن حقيقة الإيمان ليس أن تقر بوجود الله ، أن تؤمن أنه هو الفعال ،
هو الرافع ، هو الخافض ، هو المعطي ، هو المانع ، هو المعز ،
هو المذل ، الدين توحيد ، ألا ترى مع الله أحداً ، ألا ترى يداً تعمل
عملاً مع الله ، أن ترى أن كل شيء بيد الله ، أن كل شيء يرجع إلى الله .
{ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ }
[ هود : 123 ]
من ازداد إيماناً
جاءت مقاييسه مطابقة لمقاييس القرآن الكريم :
الحقيقة التوحيد كفكرة سهل ، أما أن تعيش التوحيد فهذا شيء
يحتاج إلى جهد كبير ، مثلاً :
حينما تقرأ قوله تعالى :
{ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً }
[ الأحزاب : 71 ]
لو أنك ممن يطيع الله مثلاً ولكنك فقير ، رأيت صديقاً لك في أعلى درجات
الغنى ، بيته فخم جداً ، مساحات واسعة ، عنده مركبتان أو ثلاث ،
دخله فلكي ، طعام ، شراب ، ثياب ، إذا تصورت أنه هو الفائز ،
وأنت مطيع لله ، وهو لا يطيع الله ، فإنك لا تعيش هذه الآية ،
قد تتحدث عن معناها ، قد تدرك معناها ، أما أن تعيشها فلا ،
فرقٌ كبير بين أن تفهم معنى الآية وبين أن تعيشها .
مرة ثانية أنت مطيع لله ، والله عز وجل يقول
{ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً }
[ الأحزاب : 71 ]
المعنى واضح ، سهل جداً ، سهل الإلقاء و سهل الفهم ،
لكن حينما ترى أن هذا الصديق الفاسق ، الفاجر ، الذي يملك هذه البيوت ،
وتلك المركبات ، وهذه المكانة ، وهذا الدخل الفلكي ، أن تراه هو الفائز ،
ولست أنت ، أنت لا تعيش الآية ، فالبطولة لا أن تفهم معنى الآية
أن تعيشها ، أعلى درجات الفهم لكتاب الله أن تعيش الآيات ،
لذلك قال تعالى :
{ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ
وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ }
[ آل عمران : 185 ]
يا ترى أنت في حياتك اليومية ، في علاقاتك ببني البشر ،
هل ترى أن تزحزح عن النار وأن يتاح لك دخول الجنة
هذا هو الفوز العظيم؟
هذا هو الفوز ، فكلما ازداد إيمانك تأتي مقاييسك مطابقة
لمقاييس القرآن الكريم ، فإذا ضعف الإيمان تستخدم مقاييس أرضية ،
والآن الناس يُعظمون الأغنياء والأقوياء ، ومن له وسامة فائقة ،
ومن له دخل كبير ، ومن له منصب رفيع ، هذه مقاييس البشر ،
لكن عند خالق البشر الإنسان الفائز هو المطيع ولو كان ضعيفاً أو فقيراً ،
فكلما ازددت إيماناً تأتي مقاييسك مطابقة لمقاييس القرآن الكريم .
الله عز وجل ما أمر الإنسان أن يعبده
إلا بعد أن طمأنه :
لذلك الله عز وجل يضرب الأمثال ،
أنت إنسان صاحب مؤسسة تجارية كبيرة لو عندك بعملك التجاري
موظفون ، ولك شريك ،
هل يعقل أن تخاف من هذا الموظف ؟
بكلمة واحدة تصرفه من العمل ، بكلمة واحدة ، هذا موظف ،
يمكن أن يطالبك بالتأمينات ، أو يطالبك بالتعويض ،
لكن هل يستطيع هذا الموظف الذي جئت به وعينته في المؤسسة
أن يزيحك من هذه المؤسسة؟
هل يستطيع أن ينافسك في القرار؟
أن يملي عليك أمراً ؟
مستحيل ، هو موظف ، له حق عندك ، تعطيه حقه وانتهى الأمر ،
أما الشريك ، الشريك آمر ، الشريك يحاسب ، الشريك يسأل ،
أنت لم تداوم هذه السنة ، أنا داومت ، أنت لم تبذل جهداً ،
أنا بذلت ، أنت لم تدفع ، أنا دفعت
فالشريك يسأل ، أما الأجير لا يسأل
فالله عز وجل قال :
أنتم لا ترضون لأنفسكم أن يكون عندكم أجير
أن يكون شريكاً لكم في العمل، يملي عليكم ، ويتدخل في شؤونكم ،
ويأخذ قراراً ، وهو أجير وليس شريكاً، أما الشريك فممكن .
فالله عز وجل يقول :
ضرب الله مثلاً من حياتكم ، من أنفسكم ،
من معطياتكم ، مما تعيشون
{ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ }
[ الروم : 28 ]
أي ملكت أيمانكم من كان يعمل معكم بالمعنى المعاصر ،
{ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ }
[ الروم : 28 ]
هل يعقل أن
{ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ }
[ الروم : 28 ]
أن تخاف هذا الأجير كما تخاف الشريك ، الشريك يحاسب ،
والذي له شريك له معلم ،
هل يعقل أن تخاف هذا الأجير على أنه شريك ؟
مستحيل ، أنت لا ترضى هذا لنفسك فكيف رضيته لربك ،
كيف تقول هؤلاء آلهة اللات والعزة ، حجر إله ؟
أساساً هناك قبيلة صنعت لها إلهاً صنماً من تمر ، فلما جاعت أكلته ،
قالوا : أكلت ودٌ ربها ، أي هل من الممكن أن ترى أن قطعة حجر إله ،
الآن الناس لا يعبدون حجراً ، لكن يعبدون بعضهم بعضاً ،
أنت لمجرد أن تعصي خالقك ، وأن تطيع مخلوقاً خوفاً من هذا المخلوق
فأنت لا تعرف الله ، وأنت لا تعبده عباده حق ،
القضية خطيرة أيها الأخوة ، ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد .
لذلك الله عز وجل ، قبل أن يأمرك أن تعبده طمأنك ،
قال لك :
{ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ }
[ هود : 123 ]
فاعبده ، متى أمرك أن تعبده بعد أن طمأنك .
علاقة المؤمن مع جهة واحدة هي الله عز وجل :
لذلك أخواننا الكرام ، أنت تصور موظفاً بشركة لها صاحب ،
توفي هذا الصاحب وله خمسة أولاد ، فاستلموا العمل مكان أبيهم ،
لكن هؤلاء الأولاد متشاكسون ، متخاصمون ، وأنت موظف عندهم جميعاً ،
هذا يعطيك أمراً أن اذهب إلى هذا المكان ، الثاني يسأل عنك لا يجدك يعنفك ،
حياة لا تطاق ، خمسة مدراء متشاكسون وأنت تابع لهم ،
شيء فوق طاقة البشر ، أما تصور لهذه المؤسسة مديراً واحداً ،
فأنت إذا حسنت تعاملك معه فهذه قضية سهلة .
ميزة المؤمن علاقته مع جهة واحدة ، مع الله ، اجعل الهموم هماً واحداً
يكفك الهموم كلها ، من جعل الهموم هماً واحداً كفاه الله الهموم كلها ،
اعمل لوجه واحد يكفك الوجه كلها ، أنت حينما تؤمن أن وجودك ،
وسلامة وجودك ، وكمال وجودك ، واستمرار وجودك ، بيد الله ،
و أن رزقك بيد الله ، و أن الخير من الله ، و أن الذي يزعجك من الله ،
و أنك في قبضة الله ، لا تعبد إلا الله ، و لا تعبأ بغيره ،
الآية الكريمة فيها تحدٍّ كبير قال :
{ فَكِيدُونِي جَمِيعاً }
[ هود : 55 ]
كيدوني ، أي افعلوا ما بدا لكم :
{ ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ }
[ هود : 55 ]
لا ترتدوا :
{ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ
إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ }
[ هود : 56 ]
مثل للتقريب :
وحوش كاسرة ، ضباع ، ذئاب ، أسود ، لكنها مربوطة بحبال
وأزمة محكمة ،
أنت علاقتك مع من ؟
مع الوحوش أم مع من يقبض زمامها ؟
هذه قصة لك ، الناس ضعيفو الإيمان ، الواقعون في الشرك الخفي ،
علاقتهم مع الوحوش يخافونه ، فإذا اقترب بعض الوحوش منهم
انهاروا من الخوف ، لكن هناك إنساناً علاقته مع من يملكها ،
يرضيه ، فإذا أرضاه أبعدها عنه .
لا يخافن العبد إلا ذنبه ولا يرجون إلا ربه :
لذلك ما من حديث جامع مانع كهذا النص :
( لا يخافن العبد إلا ذنبه ، ولا يرجون إلا ربه )
هناك أمراض وبيلة ، وحوش كاسرة ، أنت في خيمة هناك عقارب ،
وأفاع ، وثعابين ، و لصوص ، و قطاع طريق ، والله الحياة تصور
مليون سيف فوق رأس كل إنسان ، أي ورم خبث يجعل حياة الإنسان
جحيماً لا يطاق .
لي صديق يحمل أعلى شهادة في الجيولوجيا ، وقدم إلى بلده ،
وعين بمنصب رفيع جداً ، بعد حين فقد بصره ،
زاره صديق له قال له : والله أتمنى أن أجلس على الرصيف
أتكفف الناس وأن يرد لي بصري .
بصرك بيد الله ، سمعك بيده ، حركتك بيده ، عقلك بيده ، زوجتك بيده ،
أولادك بيده ، حرفتك بيده ، دخلك بيده ، مكانتك بيده ،
{ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ }
[ هود : 123 ]
كل شيء بيد الله عز وجل ، والله له منهج ، والتعامل معه وفق قوانين ،
فأنت إذا أرضيت الله وحده رضي الله عنك وأرضى عنك الناس ،
ودقق في هذا الحديث حيث لا يوجد أدق منه :
( من أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس ،
ومن أسخط برضا الناس سخط الله عليه وأسخط عليه الناس ) .
أخرجه الترمذي والإمام أحمد وابن حبان عن عائشة أم المؤمنين
ومن ابتغى أمراً بمعصية ، كان أبعد ممن رجا ،
وأقرب ممن اتقى ، لذلك
{ ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ
مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ
أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }
[ الروم : 28 ]
عندك أجير أخذ قراراً ببيع المحل ، المحل ليس له ،
من صلاحيات الأجير يبع المحل ؟
يطلب منك تعويضاً ، يطلب منك زيادة راتب ، أما يبيع المحل
وأنت لا علم لك فهذا لم يعد أجيراً صار شريكاً ،
القصة كلها كل ما سوى الله أجير ، فإذا أنت عاملتهم كشركاء
تكون وقعت في الشرك الخفي ، هذا الشرك الخفي خطير جداً ، لذلك :
( إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الخفي
أما إني لست أقول أنكم تعبدون صنما ولا حجراً
ولكن شهوة خفية وأعمال لغير الله ) .
أخرجه البزار عن عبد الرحمن بن غنم
أريد أن أقول لكم :
هل يمكن أن يضغط الدين كله بكلمة واحدة ؟
نعم إنها التوحيد ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد .
والحمد لله رب العالمين
|