
04-13-2016, 03:01 PM
|
Senior Member
|
|
تاريخ التسجيل: May 2015
المشاركات: 61,441
|
|
الأمثال في القرآن "جزء ثامن"
من: الأخت / الملكة نــور
الأمثال في القرآن
جزء ثامن
الأمثال في القرآن
للدكتور الشيخ محمد راتب النابلسي
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد
الصادق الوعد الأمين ، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ،
اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ،
ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
المقارنة بين إنسان خامل معتزل الناس
وبين إنسان يأخذ بيد الخلق إلى الله :
أيها الأخوة الكرام ، من آيات الأمثال هذه الآية ،
وهي قوله تعالى :
{ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ
وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا
هَلْ يَسْتَوُونَ }
[ النحل : 75 ]
إنسان مكبل ، مقيد ، خامل ، منطوٍ على نفسه ، معتزل الناس ،
لا يفكر بعمل صالح ، ولا بخدمة إنسان ، ولا بعطاء ، ولا بنصيحة ،
ولا بدعوة ، يعيش ليأكل ، وإنسان آخر:
{ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا }
[ النحل : 75 ]
رزقه علماً ، ومالاً ، وحكمة ، وطلاقة لسان ، وقدرة على التأثير ،
يعمل ليلاً نهاراً في خدمة الخلق ، يأخذ بيد الخلق إلى الله ، يوفق بينهم ،
يقرب فيما بينهم ، يطعم جائعهم ، يرعى مريضهم، يصل من قطعه ،
يعطي من حرمه ، يعفو عمن ظلمه ،
هل هناك تساوٍ بين هذين الشخصين؟
{ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ }
[ السجدة : 18 ]
{ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ }
[ الجاثية : 21 ]
الفرق بين المؤمن وغير المؤمن :
أيها الأخوة الكرام ، أريد أن أبين لكم هذه الحقيقة ، هناك من يتوهم
أن الفرق بين المؤمن وغير المؤمن ؛ أن المؤمن يصلي فقط ، ويصوم ،
ويحج بيت الله الحرام ، ويؤدي زكاة ماله ، لا والله ،
والله الفرق لا تستوعبه الصفحات ، ولا خطب في سنوات ،
الفرق جوهري ، هناك ذهب عياره أربعة وعشرون ،
و ذهب عياره واحد وعشرون ، وذهب ثمانية عشر ،
الفرق بينهما بالدرجة ، لكن هناك قطعة ألماس رأيتها بعيني في متحف
في اسطنبول ، توبي كوبي ، ثمنها مئة وخمسون مليون دولار ،
بحجم البيضة ، وهناك قطعة فحم لا تساوي قرشاً ، والألماس أصله فحم
هل يستويان ؟
أنا أريد أن أقول لكم المؤمن الحقيقي إنسان آخر ، إنسان آخر بمبادئه ،
بقيمه ، بأخلاقه ، بأذواقه ، برحمته ، بعدله ، بإنصافه ، بسعادته ،
بتوفيقه ، الدعاة إلى الله لا يدعونكم إلى أن تصلوا فقط ،
يدعونكم إلى سعادة الدنيا والآخرة ، يدعونكم إلى الفلاح ،
أن تكسب الدنيا والآخرة معاً ، أو أن تكون نعم الدنيا متصلة بنعم الآخرة ،
إذا دعاك الله إليه ، دعاك إلى رحمته ، دعاك إلى أن تكون غنياً ، قوياً ،
عفيفاً ، متألقاً ، تملك سعادة الدنيا والآخرة .
{ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا }
[ النحل : 75 ]
تجلس مع إنسان لا يحدثك كلمة في الدين ، إلا بأسعار السيارات ،
بالأسهم ، بالتجارات ، بالبيوت ، والمركبات ، همه الدنيا ،
لذلك ورد في بعض الأحاديث :
( من أصبح وأكبر همه الدنيا جعل الله فقره بين عينيه ،
وشتت عليه شمله ، ولم يؤته من الدنيا إلا ما قدر له ،
ومن أصبح وأكبر همه الآخرة جعل الله غناه في قلبه ،
وجمع عليه شمله ، وأتته الدنيا وهي راغمة )
الترمذي عن أنس
عرف أنه مخلوق للجنة ، مخلوق لجنة عرضها
السماوات والأرض .
عدم استواء المؤمن مع غير المؤمن بنص القرآن الكريم :
إنسان عرف الله، عرف طريقه إلى الجنة ، عرف الحق والباطل ،
عرف الخير والشر، عرف الحلال والحرام ، عرف ما يمكن وما لا يمكن ،
ما يجوز وما لا يجوز ، تضبطه القيم ، تحكمه المبادئ ،
يرتقي من حال إلى حال ، إنسان آخر عرف الطعام والشراب ،
عرف النساء ، عرف الشهوات ، يعبدها من دون الله ، اتخذ إلهه هواه ،
الفرق كبير جداً أكبر مما تتصورون ،
لذلك يكفيك قوله تعالى :
{ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ }
[ السجدة : 18 ]
{ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ }
[ القلم : 35 , 36 ]
{ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى }
[ الليل : 5 , 6 ]
وبنى حياته على العطاء ، يتقرب إلى الله بالعطاء ، بخدمة الخلق ،
بنصيحتهم ، يرحمهم ، يحلم عليهم ، يصبر على مسيئهم ، ينتظر مدينهم ،
وبين إنسان يسعى لشهوته ، يسعى لمتعته ، فرق كبير جداً ، لذلك :
{ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ }
[ القلم : 35 , 36 ]
{ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ }
[ السجدة : 18 ]
المؤمن واضح يعمل تحت ضوء الشمس
و لا يخشى في الله لومة لائم : الآية دقيقة جداً :
{ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً
فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا }
[ القصص : 61 ]
{ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا }
[ النحل : 75 ]
مقيد بشهواته ، محبوس في ترهاته ، مرة كنت في الكويت ألقى أخ
محاضرة كان في بلد محتل من قبل العدو الصهيوني ،
لكن أهله على درجة عالية من التدين ،
أقسم لي بالله قال لي : نحن المحاصرون، وليسوا هم ، نحن محاصرون
بشهواتنا، ومصالحنا ، هم أحرار ، فلذلك المسافة كبيرة جداً
بين الذهب وهو من أثمن المعادن وبين أخس المعادن ، أنا مرة اطلعت
على مقالة سفينة قبل مئتي عام غرقت في المحيط الأطلسي ،
ومحملة بخمسة أطنان من الذهب الخالص ، في النهاية عثر عليها ،
واستخرجوا الذهب ، ونظرت إلى صورة الذهب ، مئتا عام في البحر
وكأن الذهب يلمع لمعاناً مذهلاً ، الذهب ذهب ، المؤمن ألماس أو ذهب ،
لا يخونك ، لا يكذب عليك ، لا يحتال عليك ، لا يغتابك ، لا يمكر فيك ،
لا ينافق ، لا يتذلل ، لا يتضعضع ، ليس دخيلاً ، كريم ، مبادئه واضحة ،
يعمل تحت ضوء الشمس ، لا يخشى في الله لومة لائم ، المؤمن واضح .
المسافة الكبيرة بين المؤمن و الكافر :
الآية التالية تريد أن تبين كم هي المسافة كبيرة بين مؤمن وكافر ،
أقسم لكم بالله لو أن إنساناً دخله لا يزيد عن مبلغ لا يكفيه أسبوعاً
من الشهر ، وساكن في بيت صغير ، قميء ، وطعامه خشن ، وثيابه خشنة ،
لكنه مؤمن ، لكنه يعرف الله ، وآخر معه ألف مليار ، ألف مليون ،
وساكن بأجمل بيت ، ويركب أجمل مركبة ، وعنده أجمل زوجة ،
يقتني أغلى الآلات، ليس هناك مسافة تجمع بينهما :
{ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ }
[ السجدة : 18 ]
{ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ
وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا
هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ }
[ النحل : 75 ]
بل أكثرهم لا يعلمون السعادة التي ينعم بها المؤمن ، لا يعلمون الأمن
الذي يملأ قلب المؤمن ، لا يعلمون الراحة التي يعيشها المؤمن ،
لا يعلمون البصيرة التي يملكها المؤمن ، لا يعلمون مقدار هذا النور
الذي يقذفه الله في قلب عبده المؤمن .
المؤمن مقيد بالإيمان وبمنهج الرحمن والإنسان الآخر متفلت
يفعل أي شيء من أجل متعته
مثل آخر :
{ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ }
[ النحل : 76 ]
أخرس ، لا يتكلم كلمة خير ، ولا يفكر بدعوة إلى الله ، ولا بنصيحة ،
ولا بالتوفيق بين شخصين :
{ أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهُّ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ
هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ }
[ النحل : 76 ]
من خلال هذين المثلين في هذه الآية يتضح أن المسافة كبيرة جداً
بين مؤمن وغير مؤمن ، وآيات كثيرة تدعونا إلى الموازنة ،
إنسان ترتاح له ، لا تخاف منه ، لا تخاف أن يغدرك ،
لا تخاف أن يطعنك بالظهر ، لا تخاف أن يغتابك ، لا تخاف أن يحتال عليك ،
لا تخاف أن يفعل معك شيئاً لا يرضي الله .
( الإِيمانُ قَيَّدَ الفَتْكَ )
أخرجه أبو داود عن أبي هريرة
مقيد بالإيمان ، مقيد بمنهج الرحمن ، والإنسان الآخر متفلت ،
يفعل أي شيء من أجل متعته ، يرتكب كل حماقة من أجل شهوته ،
يركب رأسه أحياناً ، يتناقض ، يقسو ولا يرحم ، يأخذ ولا يعطي ،
يعلو ولا يتواضع ، هؤلاء النموذجان في حياة الناس .
|