وَ قَالَالزَّيْلَعِيُّفِي نَصْبِ الرَّايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ الْبَابِ : وَ رَوَاهُابْنُ حِبَّانَفِي صَحِيحِهِ
وَ الْحَاكِمُفِي مُسْتَدْرَكِهِ إِلَّا أَنَّالْحَاكِمَقَالَ : عِوَضُ قَوْلِهِ فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ فَأَفْقَهُهُمْ فِقْهًا ،
فَإِنْ كَانُوا فِي الْفِقْهِ سَوَاءً فَأَكْبَرُهُمْ سِنًّا انْتَهَى ،
قَالَ : وَ قَدْ أَخْرَجَمُسْلِمٌفِي صَحِيحِهِ هَذَا الْحَدِيثَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ فَأَفْقَهُهُمْ فِقْهًا ،
وَ هِيَ لَفْظَةٌ عَزِيزَةٌ غَرِيبَةٌ بِهَذَا الْإِسْنَادِ الصَّحِيحِ ، وَ سَنَدُهُ عَنْيَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ،
ثَنَااللَّيْثُ، عَنْجَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنِالْأَعْمَشِ، عَنْإِسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ،
عَنْأَوْسِ بْنِ ضَمْعَجٍ، عَنْأَبِي مَسْعُودٍفَذَكَرَهُ ، ثُمَّ أَخْرَجَهُالْحَاكِمُ،
عَنِالْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، عَنْإِسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ، قَالَ :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ :
( يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً ، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَفْقَهُهُمْ فِي الدِّينِ ،
فَإِنْ كَانُوا فِي الْفِقْهِ سَوَاءً فَأَقْرَؤُهُمْ لِلْقُرْآنِ وَ الْحَدِيثِ ،وَ سَكَتَ عَنْهُ ، )
وَ الْبَاقُونَ مِنَ الْأَئِمَّةِ يُخَالِفُونَنَا فِي هَذِهِ الْمُسْألَةِ وَيَقُولُونَ :
إِنَّ الْأَقْرَأَ لِكِتَابِ اللَّهِ يُقَدَّمُ عَلَى الْعَالِمِ كَمَا هُوَ لَفْظُ الْحَدِيثِ ،
حَتَّى إِذَا اجْتَمَعَ مَنْ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ وَ هُوَ غَيْرُ عَالِمٍ وَ فَقِيهٌ يَحْفَظُ يَسِيرًا مِنَ الْقُرْآنِ
يُقَدَّمُ حَافِظُ الْقُرْآنِ عِنْدَهُمْ ، وَ نَحْنُ نَقُولُ : يُقَدَّمُ الْفَقِيهُ ،
وَ أَجَابَ صَاحِبُ الْكِتَابِ بِأَنَّ الْأَقْرَأَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ كَانَ أَعْلَمَهُمْ ،
وَ هَذَا يَرُدُّهُ لَفْظُالْحَاكِمِالْأَوَّلُ ، وَ يُؤَيِّدُ مَذْهَبَنَا لَفْظُهُ الثَّانِي ،
إِلَّا أَنَّهُ مَعْلُولٌبِالْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، قَالَ وَ يَشْهَدُ لِلْخَصْمِ أَيْضًا حَدِيثُعَمْرِو بْنِ سَلِمَةَ،
ثُمَّ ذَكَرَهُ عَنِالْبُخَارِيِّ، وَ فِيهِوَ بَدَرَ أَبِي قَوْمَهُمْ بِإِسْلَامِهِمْ فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ :
جِئْتُكُمْ وَ اللَّهِ مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ حَقًّا ، فَقَالُوا صَلُّوا صَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا
وَ صَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا وَ إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ
وَ لْيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ - ص29 - قُرْآنًا ،
فَنَظَرُوا فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَكْثَرَ قُرْآنًا مِنِّي لِمَا كُنْتُ أَتَلَقَّى مِنَ الرُّكْبَانِ ،
فَقَدَّمُونِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ، وَ أَنَا ابْنُ سِتٍّ أَوْ سَبْعِ سِنِينَإِلَخْ
قُلْتُ : الْقَوْلُ الظَّاهِرُ الرَّاجِحُ عِنْدِي هُوَ تَقْدِيمُ الْأَقْرَأِ عَلَى الْأَفْقَهِ ،
وَ قَدْ عَرَفْتَ فِي كَلَامِ الْحَافِظِ أَنَّ مَحَلَّ تَقْدِيمِ الْأَقْرَأِ حَيْثُ يَكُونُ عَارِفًا بِمَا يَتَعَيَّنُ مَعْرِفَتَهُ
مِنْ أَحْوَالِ الصَّلَاةِ " فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ " قَالَالطِّيبِيُّ : أَرَادَ بِهَا الْأَحَادِيثَ فَالْأَعْلَمُ بِهَا
كَانَ هُوَ الْأَفْقَهُ فِي عَهْدِ الصَّحَابَةِ " فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً " أَيِ انْتِقَالًا مِنْمَكَّةَإِلَىالْمَدِينَةِ
قَبْلَ الْفَتْحِ فَمَنْ هَاجَرَ أَوَّلًا فَشَرَفُهُ أَكْثَرُ مِمَّنْ هَاجَرَ بَعْدَهُ . قَالَ تَعَالَى :
{ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَ قَاتَلَ ... الْآيَةَ }
( وَ لَا يُؤَمُّ الرَّجُلُ ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ ،
وَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍلَا يَؤُمَنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ ( فِي سُلْطَانِهِ ( أَيْ فِي مَظْهَرِ سَلْطَنَتِهِ
وَ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ أَوْ فِيمَا يَمْلِكُهُ أَوْ فِي مَحَلٍّ يَكُونُ فِي حُكْمِهِ ،
وَ يُعَضِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى فِي أَهْلِهِ ، وَ رِوَايَةُأَبِي دَاوُدَفِي بَيْتِهِ وَ لَا فِي سُلْطَانِهِ ،
وَ لِذَا كَانَابْنُ عُمَرَيُصَلِّي خَلْفَالْحَجَّاجِ، وَ صَحَّ عَنِابْنِ عُمَرَأَنَّ إِمَامَ الْمَسْجِدِ
مُقَدَّمٌ عَلَى غَيْرِ السُّلْطَانِ ، وَ تَحْرِيرُهُ أَنَّ الْجَمَاعَةَ شُرِعَتْ لِاجْتِمَاعِ الْمُؤْمِنِينَ
عَلَى الطَّاعَةِ وَ تَآلُفِهِمْ وَ تَوَادِّهِمْ ، فَإِذَا أَمَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ أَفْضَى ذَلِكَ إِلَى
تَوْهِينِ أَمْرِ السَّلْطَنَةِ وَ خَلْعِ رِبْقَةِ الطَّاعَةِ ، وَ كَذَلِكَ إِذَا أَمَّهُ فِي قَوْمِهِ وَ أَهْلِهِ
أَدَّى ذَلِكَ إِلَى التَّبَاغُضِ وَ التَّقَاطُعِ وَ ظُهُورِ الْخِلَافِ الَّذِي شُرِعَ لِدَفْعِهِ الِاجْتِمَاعُ ،
فَلَا يَتَقَدَّمُ رَجُلٌ عَلَى ذِي السَّلْطَنَةِ لَا سِيَّمَا فِي الْأَعْيَادِ وَ الْجَمَاعَةِ ،
وَ لَا عَلَى إِمَامِ الْحَيِّ وَ رَبِّ الْبَيْتِ إِلَّا بِالْإِذْنِ قَالَهُالطِّيبِيُّ(وَ لَا يُجْلَسُ ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ
( عَلَى تَكْرِمَتِهِ ) كَسَجَّادَتِهِ أَوْ سَرِيرِهِ وَ هِيَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ كَرَّمَ تَكْرِيمًا
أُطْلِقَ مَجَازًا عَلَى مَا يُعَدُّ لِلرَّجُلِ إِكْرَامًا لَهُ فِي مَنْزِلِهِ ( إِلَّا بِإِذْنِهِ )
قَالَابْنُ الْمَلَكِمُتَعَلِّقٌ بِجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ ، قُلْتُ :
كُلُّ مَنْ قَالَ إِنَّ صَاحِبَ الْمَنْزِلِ إِذَا أَذِنَ لِغَيْرِهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ يَقُولُ :
إِنَّ ( إِلَّا بِإِذْنِهِ ) مُتَعَلِّقٌ بِجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ ،
وَ كُلُّ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ يَقُولُ أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَ لَا يُجْلَسُ فَقَطْ .