وَ ذِكْرُ اسْمِهِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِاسْمِ اللَّهِ أَوْ بِاسْمِ الرَّحْمَنِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى التَّعْظِيمِ ،
غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ الْمَنْقُولُ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً ،
لَا أَنَّهُ الشَّرْطُ دُونَ غَيْرِهِ كَذَا ذَكَرَهُ الْحَنَفِيَّةُ ،
وَ أَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ الْبَابِ بِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْمَعَانِي لَا لِلْأَلْفَاظِ ،
فَلَيْسَ مَعْنَى الْحَدِيثِ تَحْرِيمُهَا لَفْظُ التَّكْبِيرِ بَلْ مَعْنَاهُ تَحْرِيمُهَا مَا يَدُلُّ عَلَى التَّعْظِيمِ .
قُلْتُ : الْحَقُّ فِي هَذَا الْبَابِ هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ أَنَّ تَحْرِيمَ الصَّلَاةِ التَّكْبِيرُ
وَ لَا يَكُونُ الرَّجُلُ دَاخِلًا فِي الصَّلَاةِ إِلَّا بِالتَّكْبِيرِ كَمَا عَرَفْتَ ،
وَ أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَىوَ رَبَّكَ فَكَبِّرْفَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّكْبِيرِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ تَكْبِيرُ الِافْتِتَاحِ ،
فَإِنَّهَا مَكِّيَّةٌ نَزَلَتْ قَبْلَ قِصَّةِ الْإِسْرَاءِ الَّتِي فُرِضَتِ الصَّلَاةُ فِيهَا ،
فَكَيْفَ يَكُونُ الْمُرَادُ بِالتَّكْبِيرِ فِيهَا تَكْبِيرَ الِافْتِتَاحِ .
وَ أَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ كَانَ يَتَعَبَّدُ وَ يُصَلِّي تَطَوُّعًا فِي جَبَلِ حِرَاءٍ وَ غَيْرِهِ
قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ ، فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُرَادَ بِالتَّكْبِيرِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ تَكْبِيرُ الِافْتِتَاحِ ،
فَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ أَيْضًا أَنْ يُرَادَ بِالتَّكْبِيرِ تَكْبِيرُ الِافْتِتَاحِ
كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ ، وَ لَوْ سُلِّمَ أَنَّهُ الْمُتَعَيَّنُ
فَالْمُرَادُ بِهِ خُصُوصُ لَفْظِ التَّكْبِيرِ لِأَحَادِيثِ الْبَابِ ،
وَ لَمْ يَثْبُتْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ افْتِتَاحُ الصَّلَاةِ بِغَيْرِ لَفْظِ التَّكْبِيرِ أَلْبَتَّةَ ،
وَ لَا عَنِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ ،
وَ أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَىوَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىفَلَا نُسَلِّمُ فِيهِ أَيْضًا
أَنَّ الْمُرَادَ بِذِكْرِ اسْمِ رَبِّهِ تَكْبِيرُ الِافْتِتَاحِ ،
لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْيَكُونَ الْمُرَادُ بِالذِّكْرِ تَكْبِيرَ التَّشْرِيقِ ، وَ بِالصَّلَاةِ صَلَاةَ الْعِيدِ ،
وَ بِقَوْلِهِ تَزَكَّى زَكَاةَ الْفِطْرِ كَمَا رَوَاهُعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ،وَ ابْنُ الْمُنْذِرِوَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ،
وَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ،وَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِوَ الْبَيْهَقِيُّ،
وَ غَيْرُهُمْ عَنِابْنِ عَبَّاسٍرَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا ،وَ ابْنِ عُمَرَوَ غَيْرِهِمَا ،
وَ عَلَى هَذَا فَلَا تَكُونُ الْآيَةُ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ .
وَ أَمَّا جَوَابُهُمْ عَنْ حَدِيثِ الْبَابِ ; بِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْمَعَانِي لَا لِلْأَلْفَاظِ ،
فَفِيهِ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَذْكَارِ وَ الْأَدْعِيَةِ لَا سِيَّمَا أَذْكَارُ الصَّلَاةِ وَ أَدْعِيَتُهَا هُوَ التَّوْقِيفُ .
فَالْحَاصِلُ : أَنَّ مَذْهَبَ الْجُمْهُورِ هُوَ الْحَقُّ وَ الصَّوَابُ ،
وَ أَمَّا قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ فَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ ،
قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي إِعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ ص 264 ج 1 الْمِثَالُ الْخَامِسَ عَشَرَ
رَدُّ الْمُحْكَمِ الصَّرِيحِ مِنْ تَعْيِينِ التَّكْبِيرِ لِلدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ بِقَوْلِهِ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَكَبِّرْ ،
وَ قَوْلُهُ تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ ، وَ قَوْلُهُ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ حَتَّى يَضَعَ الْوُضُوءَ مَوَاضِعَهُ
ثُمَّ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ وَ يَقُولَ اللَّهُ أَكْبَرُ ،
وَ هِيَ نُصُوصٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ فَرُدَّتْ بِالْمُتَشَابِهِ مِنْ قَوْلِهِ
وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى انْتَهَى .
أنْتَهَى .
وَ اللَّهُ تَعَالَى أعلى و أَعْلَمُ. و أجل
و صلى الله على سيدنا محمد و على آله و صحبه و سلم
( نسأل الله أن يرزقنا إيمانا صادقاً و يقينا لاشكّ فيه )
( اللهم لا تجعلنا ممن تقوم الساعة عليهم و ألطف بنا يا الله )
( و الله الموفق )
</h4></h4>