وَقَالَ الْحَافِظُالزَّيْلَعِيُّفِي نَصْبِ الرَّايَةِ : قَالَابْنُ أَبِي حَاتِمٍفِي كِتَابِ الْعِلَلِ :
سَأَلْتُ أَبِي عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّعَنْعَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍعَنْعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ
عَنْعَلْقَمَةَعَنْعَبْدِ اللَّهِ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فَكَبَّرَ فَرَفَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ لَمْ يُعِدْ "
فَقَالَ أَبِي : هَذَا خَطَأٌ يُقَالُ وَهِمَ فِيهِالثَّوْرِيُّ، فَقَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْعَاصِمٍ،
وَقَالُوا كُلُّهُمْ
"إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ افْتَتَحَ فَرَفَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ رَكَعَ فَطَبَّقَ وَجَعَلَهُمَا بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ "
وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مَا رَوَىالثَّوْرِيُّ، انْتَهَى مَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ .
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ : وَهَذَا الْحَدِيثُ حَسَّنَهُالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُابْنُ حَزْمٍ،
وَقَالَابْنُ الْمُبَارَكِ : لَمْ يَثْبُتْ عِنْدِي . وَقَالَابْنُ أَبِي حَاتِمٍعَنْ أَبِيهِ هَذَا حَدِيثٌ خَطَأٌ .
وَقَالَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍوَشَيْخُهُيَحْيَى بْنُ آدَمَ : هُوَ ضَعِيفٌ .
نَقَلَهُالْبُخَارِيُّعَنْهُمَا وَتَابَعَهُمَا عَلَى ذَلِكَ . وَقَالَأَبُو دَاوُدَ : لَيْسَ هُوَ بِصَحِيحٍ .
وَقَالَالدَّارَقُطْنِيُّ : لَمْ يَثْبُتْ ، وَقَالَابْنُ حِبَّانَفِي الصَّلَاةِ هَذَا أَحْسَنُ خَبَرٍ رُوِيَلِأَهْلِ الْكُوفَةِ
فِي نَفْيِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ ،
وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ أَضْعَفُ شَيْءٍ يُعَوَّلُ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ لَهُ عِلَلًا تُبْطِلُهُ ، انْتَهَى .
فَثَبَتَ بِهَذَا كُلِّهِ أَنَّ حَدِيثَابْنِ مَسْعُودٍلَيْسَ بِصَحِيحٍ وَلَا بِحَسَنٍ ،
بَلْ هُوَ ضَعِيفٌ لَا يَقُومُ بِمِثْلِهِ حُجَّةٌ . وَأَمَّا تَحْسِينُالتِّرْمِذِيِّفَلَا اعْتِمَادَ عَلَيْهِ
لِمَا فِيهِ مِنَ التَّسَاهُلِ . وَأَمَّا تَصْحِيحُابْنِ حَزْمٍفَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ جِهَةِ السَّنَدِ ،
وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ صِحَّةَ السَّنَدِ لَا تَسْتَلْزِمُ صِحَّةَ الْمَتْنِ ، عَلَى أَنَّ تَصْحِيحَابْنِ حَزْمٍ
لَا اعْتِمَادَ عَلَيْهِ أَيْضًا فِي جَنْبِ تَضْعِيفِ هَؤُلَاءِ الْحُفَّاظِ النُّقَّادِ ،
فَالِاسْتِدْلَالُ بِهَذَا الْحَدِيثِ الضَّعِيفِ عَلَى تَرْكِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ وَنَسْخِهِ فِي غَيْرِ الِافْتِتَاحِ
لَيْسَ بِصَحِيحٍ ، وَلَوْ تَنَزَّلْنَا وَسَلَّمْنَا أَنَّ حَدِيثَابْنِ مَسْعُودٍهَذَا صَحِيحٌ أَوْ حَسَنٌ ،
فَالظَّاهِرُ أَنَّابْنَ مَسْعُودٍقَدْ نَسِيَهُ كَمَا قَدْ نَسِيَ أُمُورًا كَثِيرَةً .
قَالَ الْحَافِظُالزَّيْلَعِيُّفِي نَصْبِ الرَّايَةِ نَقْلًا عَنْ صَاحِبِ التَّنْقِيحِ :
لَيْسَ فِي نِسْيَانِابْنِ مَسْعُودٍلِذَلِكَ مَا يُسْتَغْرَبُ ، قَدْ نَسِيَابْنُ - ص 94 -
مَسْعُودٍمِنَ الْقُرْآنِ مَا لَمْ يَخْتَلِفِ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ بَعْدُ ، وَهِيَ الْمُعَوِّذَتَانِ ،
وَنَسِيَ مَا اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى نَسْخِهِ كَالتَّطْبِيقِ ، وَنَسِيَ كَيْفَ قِيَامُ الِاثْنَيْنِ خَلْفَ الْإِمَامِ .
وَنَسِيَ مَا لَمْ يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
صَلَّى الصُّبْحَ يَوْمَ النَّحْرِ فِي وَقْتِهَا ، وَنَسِيَ كَيْفِيَّةَ جَمْعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ ،
وَنَسِيَ مَا لَمْ يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ فِيهِ مِنْ وَضْعِ الْمِرْفَقِ وَالسَّاعِدِ عَلَى الْأَرْضِ فِي السُّجُودِ
وَنَسِيَ كَيْفَ كَانَ يَقْرَأُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَوَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى
وَإِذَا جَازَ عَلَىابْنِ مَسْعُودٍأَنْ يَنْسَى مِثْلَ هَذَا فِي الصَّلَاةِ
كَيْفَ لَا يَجُوزُ مِثْلُهُ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ ، انْتَهَى .
وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّابْنَ مَسْعُودٍلَمْ يَنْسَ فِي ذَلِكَ فَأَحَادِيثُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ
مُقَدَّمَةٌ عَلَى حَدِيثِابْنِ مَسْعُودٍ ; لِأَنَّهَا قَدْ جَاءَتْ عَنْ عَدَدٍ كَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ،
حَتَّى قَالَالسُّيُوطِيُّ : إِنَّ حَدِيثَ الرَّفْعِ مُتَوَاتِرٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كَمَا عَرَفْتَ فِيمَا قَبْلُ ، وَقَالَالْعَيْنِيُّفِي شَرْحِالْبُخَارِيِّ : إِنَّ مِنْ جُمْلَةِ أَسْبَابِ التَّرْجِيحِ
كَثْرَةُ عَدَدِ الرُّوَاةِ وَشُهْرَةُ الْمَرْوِيِّ ، حَتَّى إِذَا كَانَ أَحَدُ الْخَبَرَيْنِ يَرْوِيهِ وَاحِدٌ وَالْآخَرُ
يَرْوِيهِ اثْنَانِ فَالَّذِي يَرْوِيهِ اثْنَانِ أَوْلَى بِالْعَمَلِ بِهِ ، انْتَهَى .
وَقَالَ الْحَافِظُالْحَازِمِيُّفِي كِتَابِ الِاعْتِبَارِ : وَمِمَّا يُرَجَّحُ بِهِ أَحَدُ الْحَدِيثَيْنِ عَلَى الْآخَرِ
كَثْرَةُ الْعَدَدِ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ ، وَهِيَ مُؤَثِّرَةٌ فِي بَابِ الرِّوَايَةِ ،
لِأَنَّهَا تُقَرِّبُ مِمَّا يُوجِبُ الْعِلْمَ وَهُوَ التَّوَاتُرُ ، انْتَهَى .
ثُمَّ حَدِيثُابْنِ مَسْعُودٍلَا يَدُلُّ عَلَى نَسْخِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي غَيْرِ الِافْتِتَاحِ ،
بَلْ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ ، قَالَابْنُ حَزْمٍفِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍالْمَذْكُورِ
فِيمَا تَقَدَّمَ مَا لَفْظُهُ : إِنْ صَحَّ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ ذَلِكَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ ،
فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِابْنِ عُمَرَوَغَيْرِهِ ، انْتَهَى .
قُلْتُ : هَذَا كُلُّهُ عَلَى تَقْدِيرِ التَّنَزُّلِ ،
وَإِلَّا فَحَدِيثُابْنِ مَسْعُودٍضَعِيفٌ لَا يَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ كَمَا عَرَفْتَ .
قَوْلُهُ : ( وَ بِهِ يَقُولُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ
مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ )