رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى آثَارِ هَؤُلَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
( وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ،
قَالَ الْحَنَفِيَّةُ : إِنَّهُ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِابْنِ مَسْعُودٍ وَالْبَرَاءِ وَقَدْ عَرَفْنَا أَنَّهُمَا ضَعِيفَانِ
لَا يَقُومُ بِهِمَا الْحُجَّةُ ، اسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِأَثَرِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ
وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنِ الْأَسْوَدِ قَالَ : رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ
فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ ثُمَّ لَا يَعُودُ .
قُلْتُ : فِيهِ أَنَّ هَذَا الْأَثَرَ بِهَذَا اللَّفْظِ غَيْرُ مَحْفُوظٍ ، قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي الدِّرَايَةِ :
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ - ص 95 - الْحَاكِمِ : رَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبْجَرَ
عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ بِلَفْظِ : " كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ ثُمَّ لَا يَعُودُ "
وَقَدْ رَوَاهُالثَّوْرِيُّ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ بِلَفْظِ :
" كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي التَّكْبِيرِ \" لَيْسَ فِيهِ " ثُمَّ لَا يَعُودُ "
وَقَدْ رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ وَهُوَ الْمَحْفُوظُ ، انْتَهَى .
ثُمَّ هَذَا الْأَثَرُ يُعَارِضُهُ رِوَايَةُ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ : أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الرُّكُوعِ
وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ . قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ : وَاعْتَرَضَهُ الْحَاكِمُ بِأَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ
شَاذَّةٌ لَا يَقُومُ بِهَا الْحُجَّةُ فَلَا تُعَارَضُ بِهَا الْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ عَنْ طَاوُسِ بْنِ كَيْسَانَ
عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الرُّكُوعِ وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ ، انْتَهَى
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الدِّرَايَةِ : وَيُعَارِضُهُ رِوَايَةُ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ
كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي التَّكْبِيرِ وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ ، انْتَهَى .
قُلْتُ : وَلِرِوَايَةِ طَاوُسٍ شَاهِدٌ ضَعِيفٌ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ :
أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ رِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ
قَالَ رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ
إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ ، انْتَهَى .
تَنْبِيهٌ :
زَعَمَ النِّيمَوِيُّ أَنَّ زِيَادَةَ قَوْلِهِ : إِنَّ عُمَرَ بَعْدَ قَوْلِهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ
هِيَ سَهْوٌ غَيْرُ صَحِيحَةٍ ، قَالَ : وَالصَّوَابُ هَكَذَا عَنْ طَاوُسِ بْنِ كَيْسَانَ
عَنِ ابْنِ عُمَرَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِلَخْ . وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي الدِّرَايَةِ
وَهُوَ مُخْتَصَرٌ مِنْ نَصْبِ الرَّايَةِ ، وَيُعَارِضُهُ رِوَايَةُ طَاوُسٍ
عَنِ ابْنِ عُمَرَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي التَّكْبِيرِ فِي الرُّكُوعِ وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ ،
وَقَالَ ابْنُ الْهُمَامِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ : وَعَارَضَهُ الْحَاكِمُ بِرِوَايَةِ طَاوُسِ بْنِ كَيْسَانَ
عَنِ ابْنِ كَيْسَانَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِلَخْ قَالَ .
فَثَبَتَ بِهَذِهِ الْأَقْوَالِ أَنَّ الْحَاكِمَ عَارَضَهُ بِرِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ
لَا بِرِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، انْتَهَى كَلَامُ النِّيمَوِيِّ .
قُلْتُ : دَعْوَى السَّهْوِ فِي زِيَادَةِ قَوْلِهِ : " إِنَّ عُمَرَ " بَاطِلَةٌ جِدًّا كَيْفَ وَقَدْ حَكَمَ الْحَاكِمُ
بِشُذُوذِ أَثَرِ عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ الْأَسْوَدِ ، قَالَ : رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَرْفَعُ
يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ ثُمَّ لَا يَعُودُ بِرِوَايَةِ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ
يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الرُّكُوعِ وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ ، فَهَذَا دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ إِنَّ عُمَرَ فِي
رِوَايَةِ طَاوُسٍ صَحِيحٌ ثَابِتٌ ، فَإِنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِشُذُوذِ أَثَرِ صَحَابِيٍّ بِأَثَرِ صَحَابِيٍّ آخَرَ .
وَأَمَّا قَوْلُ الْحَافِظِ فِي الدِّرَايَةِ وَيُعَارِضُ رِوَايَةُ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ ،
كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِلَخْ فَحَذَفَ الْحَافِظُ لَفْظَ " إِنَّ عُمَرَ " اخْتِصَارًا . وَالضَّمِيرُ فِي كَانَ يَرْجِعُ إِلَى عُمَرَ
وَكَذَلِكَ فَعَلَ ابْنُ الْهُمَامِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ، وَمِثْلُ هَذَا الْحَذْفِ شَائِعٌ اخْتِصَارًا
وَاعْتِمَادًا عَلَى الرِّوَايَةِ السَّابِقَةِ .