وَفِيهِ : إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ ،
ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا ، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا ، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ،
ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا ، وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا .
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ نَحْوَهُ وَفِيهِ ، فَإِذَا فَعَلْتَ هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُكَ ،
وَمَا انْتَقَصْتَ مِنْ هَذَا شَيْئًا فَإِنَّمَا انْتَقَصْتَهُ مِنْ صَلَاتِكَ .
وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَفِيهِ : دَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى صَلَاةً خَفِيفَةً لَمْ يُتِمَّ رُكُوعَهَا وَلَا سُجُودَهَا ،
وَاسْمُ هَذَا الرَّجُلِ خَلَّادُ بْنُ رَافِعٍ كَمَا وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ .
فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : صَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ ،
صَرِيحٌ فِي أَنَّ التَّعْدِيلَ مِنَ الْأَرْكَانِ بِحَيْثُ إِنَّ فَوْتَهُ يُفَوِّتُ أَصْلَ الصَّلَاةِ
وَإِلَّا لَمْ يَقُلْ لَمْ تُصَلِّ ، فَإِنَّ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ خَلَّادَ بْنَ رَافِعٍ لَمْ يَكُنْ تَرَكَ رُكْنًا مِنَ الْأَرْكَانِ الْمَشْهُورَةِ ،
إِنَّمَا تَرَكَ التَّعْدِيلَ وَالِاطْمِئْنَانَ فَعُلِمَ أَنَّ تَرْكَهُ مُبْطِلٌ لِلصَّلَاةِ .
وَأَجَابَ الْحَنَفِيَّةُ عَنْ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ بِوُجُوهٍ كُلِّهَا مَخْدُوشَةٍ ، مِنْهَا مَا قَالُوا إِنَّ آخِرَ
حَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ فَرْضِيَّةِ التَّعْدِيلِ ،
فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : وَمَا نَقَصْتَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّمَا نَقَصْتَهُ مِنْ صَلَاتِكَ ،
فَلَوْ كَانَ تَرْكُ التَّعْدِيلِ مُفْسِدًا لَمَا سَمَّاهُ صَلَاةً كَمَا لَوْ تَرَكَ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ .
وَرَدَّهُ الْعَيْنِيُّ فِي الْبِنَايَةِ بِأَنَّ لِلْخَصْمِ أَنْ يَقُولَ : إِنَّمَا سَمَّاهُ صَلَاةً بِحَسَبِ زَعْمِ الْمُصَلِّي
كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْإِضَافَةُ عَلَى أَنَّهُ وَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ :
وَمَا نَقَصْتَ شَيْئًا مِنْ هَذَا أَيْ مِمَّا ذُكِرَ سَابِقًا ، وَمِنْهُ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ ،
أَيْضًا فَيَلْزَمُ أَنْ تُسَمِّيَ مَا لَا رُكُوعَ فِيهِ أَوْ لَا سُجُودَ فِيهِ أَيْضًا صَلَاةً بِعَيْنِ التَّقْرِيرِ الْمَذْكُورِ ،
وَإِذَا لَيْسَ فَلَيْسَ ، انْتَهَى .
وَمِنْهَا مَا قَالُوا إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَا يَدُلُّ عَلَى فَرْضِيَّةِ التَّعْدِيلِ بَلْ عَلَى عَدَمِ فَرْضِيَّتِهِ ;
لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ الْأَعْرَابِيَّ حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ ،
وَلَوْ كَانَ مَا تَرَكَهُ رُكْنًا لَفَسَدَتْ صَلَاتُهُ ، فَكَانَ الْمُضِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الْأَعْرَابِيِّ عَبَثًا ،
وَلَا يَحِلُّ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتْرُكَهُ ، فَكَانَ تَرْكُهُ دَلَالَةً مِنْهُ أَنَّ صَلَاتَهُ جَائِزَةٌ
إِلَّا أَنَّهُ تَرَكَ الْإِكْمَالَ فَأَمَرَهُ بِالْإِعَادَةِ زَجْرًا لَهُ عَنْ هَذِهِ الْعَادَةِ .
وَرَدَّهُ الْعَيْنِيُّ فِي الْبِنَايَةِ بِأَنَّ لِلْخَصْمِ أَنْ يَقُولَ : كَانَتْ صَلَاتُهُ فَاسِدَةً ،
وَلِذَا أُمِرَ بِالْإِعَادَةِ ، وَقَالَ لَهُ : لَمْ تُصَلِّ ، وَإِنَّمَا تَرَكَهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَهْتَدِي
إِلَى الصَّلَاةِ الصَّحِيحَةِ ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ كَمَا شَهِدَتْ بِهِ
رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ " يَعْنِي بِهَا الَّتِي رَوَاهَا التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي وَصْفِ الصَّلَاةِ ،
وَفِيهَا إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ كَالْبَدَوِيِّ " وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ أَهْلَ الْبَادِيَةِ لَهُمْ جَفَاءٌ وَغِلَظٌ ،
فَلَوْ أَمَرَهُ ابْتِدَاءً لَكَانَ يَقَعُ فِي خَاطِرِهِ شَيْءٌ ، وَكَانَ الْمَقَامُ مَقَامَ التَّعْلِيمِ ،
وَبِالْجُمْلَةِ لَا دَلَالَةَ لِعَدَمِ إِنْكَارِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى صَلَاتِهِ ابْتِدَاءً ،
وَأَمْرِهِ بِالْإِعَادَةِ عَلَى مَا ادَّعَوْهُ ، انْتَهَى .
وَمِنْهَا : مَا قَالُوا : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَنَا بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ،
بِقَوْلِهِ : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ لَفْظٌ خَاصٌّ مَعْنَاهُ مَعْلُومٌ ،
فَالرُّكُوعُ هُوَ الِانْحِنَاءُ وَالسُّجُودُ هُوَ الِانْخِفَاضُ ،
فَمُطْلَقُ الْمَيَلَانِ عَنِ الِاسْتِوَاءِ وَوَضْعِ الْجَبْهَةِ عَلَى الْأَرْضِ فَرْضٌ بِالْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ ،
وَفَرْضِيَّةُ التَّعْدِيلِ الثَّابِتَةُ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ ،
وَكَذَا فَرْضِيَّةُ الْقَوْمَةِ وَالْجِلْسَةِ بِحَدِيثِ لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ لَا يُقِيمُ الرَّجُلُ فِيهَا ظَهْرَهُ
فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ، وَأَمْثَالُهُ إِنْ لَحِقَتْ بِالْقُرْآنِ عَلَى سَبِيلِ الْبَيَانِ فَهُوَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ ;
لِأَنَّ الْبَيَانَ إِنَّمَا يَكُونُ لِلْمُجْمَلِ ، وَلَا إِجْمَالَ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ،
وَإِنْ لَحِقَتْ عَلَى سَبِيلِ التَّغْيِيرِ لِإِطْلَاقِ الْقُرْآنِ فَهُوَ لَيْسَ بِجَائِزٍ أَيْضًا ;
لِأَنَّ نَسْخَ إِطْلَاقِ الْقُرْآنِ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ لَا يَجُوزُ كَمَا حَقَّقَهُ الْأُصُولِيُّونَ ،
وَلَمَّا لَمْ يَجُزْ إِلْحَاقُ مَا ثَبَتَ بِهَذِهِ الْأَخْبَارِ بِالثَّابِتِ بِالْقُرْآنِ ،
وَلَمْ يُمْكِنْ تَرْكُ أَخْبَارِ الْآحَادِ بِالْكُلِّيَّةِ أَيْضًا ، فَقُلْنَا مَا ثَبَتَ بِالْقَطْعِيِّ
وَهُوَ مُطْلَقُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَرْضٌ ، وَمَا ثَبَتَ بِهَذِهِ الْأَخْبَارِ الظَّنِّيَّةِ الثُّبُوتِ وَاجِبٌ .
وَالْجَوَابُ : أَنَّ الْمُرَادَ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ مَعْنَاهُمَا الشَّرْعِيُّ ،
وَهُوَ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى الْبَيَانِ ، فَهَذِهِ الْأَخْبَارُ لَحِقَتْ بِالْقُرْآنِ
عَلَى سَبِيلِ الْبَيَانِ وَلَا إِشْكَالَ .
وَقَدْ صَرَّحَ الْعُلَمَاءُ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ مَعْنَاهُمَا الشَّرْعِيَّ هُوَ الْمُرَادُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ ،
أَنَّ هَذِهِ الْأَخْبَارَ قَدْ لَحِقَتْ بِالْقُرْآنِ عَلَى سَبِيلِ الْبَيَانِ عِنْدَهُ .
وَاعْلَمْ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ شَرِيكٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فِي الْقَاعِدَةِ الْأُصُولِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ
وَيُجْرِيهَا فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ ، وَمَعَ هَذَا فَهُوَ قَائِلٌ بِفَرْضِيَّةِ التَّعْدِيلِ فَيَرِدُ عَلَيْهِ إِشْكَالٌ عَسِيرٌ ،
وَهُوَ أَنَّهُ كَيْفَ يُنْسَخُ إِطْلَاقُ الْكِتَابِ هَاهُنَا بِخَبَرِ الْآحَادِ وَيُجْعَلُ التَّعْدِيلُ فَرْضًا ،
وَقَدْ ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ الْحَنَفِيَّةُ فِي دَفْعِ هَذَا الْإِشْكَالِ مَا نَقَلَهُ ابْنُ عَابِدِينَ
فِي حَوَاشِي الْبَحْرِ عَنْ بَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فِي الْآيَةِ
عِنْدَهُمَا مَعْنَاهُ اللُّغَوِيُّ ، وَهُوَ مَعْلُومٌ لَا يَحْتَاجُ إِلَى الْبَيَانِ ، فَلَوْ قُلْنَا :
بِافْتِرَاضِ التَّعْدِيلِ تَلْزَمُ الزِّيَادَةُ عَلَى النَّصِّ بِخَبَرِ الْآحَادِ ،
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مَعْنَاهُمَا الشَّرْعِيُّ وَهُوَ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَيَحْتَاجُ إِلَى الْبَيَانِ ، انْتَهَى .
، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ حَمْلَ لَفْظِ الرُّكُوعِ وَلَفْظِ السُّجُودِ فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ
عَلَى مَعْنَاهُمَا الشَّرْعِيِّ هُوَ الْمُتَعَيَّنُ ،
لِأَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ أَمْثَالَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ فِي النُّصُوصِ يَجِبُ حَمْلُهَا عَلَى مَعَانِيهَا الشَّرْعِيَّةِ
إِلَّا أَنْ يَمْنَعَ مَانِعٌ وَلَا مَانِعَ هَاهُنَا .
وَحَاصِلُ الْكَلَامِ أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ تَعْدِيلَ الْأَرْكَانِ فَرْضٌ ،
هُوَ الرَّاجِحُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .