حَدَّثَنَاأَبُو كُرَيْبٍحَدَّثَنَاعَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَحَدَّثَنَاعَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ الْجَرْمِيُّ
عَنْ أَبِيهِ عَنْابْنِ حُجْرٍقَالَقَدِمْتُالْمَدِينَةَقُلْتُ لَأَنْظُرَنَّ إِلَى
صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ فَلَمَّا جَلَسَ يَعْنِي لِلتَّشَهُّدِ
( افْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَ وَضَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى يَعْنِي عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى وَ نَصَبَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى(
************************
قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَ الْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ
وَ هُوَ قَوْلُسُفْيَانَالثَّوْرِيِّ وَ أَهْلِالْكُوفَةِوَ ابْنِ الْمُبَارَكِ
************************
الشـــــــــــــــروح
قَوْلُهُ : ( أَخْبَرَنَاعَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ)
بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَوْدِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ فَقِيهٌ عَابِدٌ .
قَوْلُهُ) : افْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى (
وَ فِي رِوَايَةِالطَّحَاوِيِّوَ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ : فَرَشَ قَدَمَهُ الْيُسْرَى عَلَى الْأَرْضِ
وَجَلَسَ عَلَيْهَا . وَ الْحَدِيثُ قَدِ احْتَجَّ بِهِ الْقَائِلُونَ بِاسْتِحْبَابِ الِافْتِرَاشِ فِي التَّشَهُّدَيْنِ ،
وَ أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُطْلَقٌ وَ حَدِيثَأَبِي حُمَيْدٍالْآتِي مُقَيَّدٌ فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ .
قَوْلُهُ : ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ )
وَ أَخْرَجَهُأَبُو دَاوُدَوَالنَّسَائِيُّوَ ابْنُ مَاجَهْ .
قَوْلُهُ : ( وَ الْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ ، وَ هُوَ قَوْلُسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ
وَ ابْنِ الْمُبَارَكِوَ أَهْلِ - ص 154 - الْكُوفَةِ)
قَالَالنَّوَوِيُّ : اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي الْجُلُوسِ فِي التَّشَهُّدَيْنِ التَّوَرُّكُ أَمِ الِافْتِرَاشُ ،
فَمَذْهَبُمَالِكٍوَ طَائِفَةٍ تَفْضِيلُ التَّوَرُّكِ فِيهِمَا ، وَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ
وَ طَائِفَةٍ تَفْضِيلُ الِافْتِرَاشِ فِيهِمَا ، وَ مَذْهَبُالشَّافِعِيِّوَ طَائِفَةٍ يَفْتَرِشُ فِي الْأَوَّلِ ،
وَ يَتَوَرَّكُ فِي الْأَخِيرِ لِحَدِيثِأَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، وَ رُفْقَتِهِ فِي صَحِيحِالْبُخَارِيِّ
وَ هُوَ صَرِيحٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ التَّشَهُّدَيْنِ . قَالَالشَّافِعِيُّ : وَ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ بِتَوَرُّكٍ
أَوِ افْتِرَاشٍ مُطْلَقَةٌ لَمْ يُبَيَّنْ فِيهَا أَنَّهُ فِي التَّشَهُّدَيْنِ أَوْ فِي أَحَدِهِمَا ،
وَقَدْ بَيَّنَهُأَبُو حُمَيْدٍوَرُفْقَتُهُ وَوَصَفُوا الِافْتِرَاشَ فِي الْأَوَّلِ وَالتَّوَرُّكَ فِي الْأَخِيرِ وَهَذَا مُبَيَّنٌ ،
فَوَجَبَ حَمْلُ ذَلِكَ الْمُجْمَلِ عَلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ، انْتَهَى كَلَامُالنَّوَوِيِّ .
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ : وَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُأَحْمَدَ، وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ
اخْتِصَاصُ التَّوَرُّكِ بِالصَّلَاةِ الَّتِي فِيهَا التَّشَهُّدَانِ ، انْتَهَى .
قُلْتُ : اسْتُدِلَّ لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِمَالِكٌوَمَنْ مَعَهُ بِمَا رَوَاهُمَالِكٌفِي الْمُوَطَّأِ عَنْ
يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍأَنَّالْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍأَرَاهُمُ الْجُلُوسَ فِي التَّشَهُّدِ فَنَصَبَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى
وَثَنَى رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَجَلَسَ عَلَى وَرِكِهِ الْأَيْسَرِ وَلَمْ يَجْلِسْ عَلَى قَدَمِهِ ،
ثُمَّ قَالَ : أَرَانِي هَذَاعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَحَدَّثَنِي أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ .
وَالْجَوَابُ : أَنَّ هَذَا مُعَارَضٌ بِمَا رَوَاهُالنَّسَائِيُّمِنْ طَرِيقِعَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ،
عَنْيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّالْقَاسِمَحَدَّثَهُعَنْعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَعَنْ أَبِيهِ ،
قَالَ : مِنْ سُنَّةِ الصَّلَاةِ أَنْ يَنْصِبَ الْيُمْنَى ، وَيَجْلِسَ عَلَى الْيُسْرَى،
فَيُحْمَلُ مَا رَوَاهُمَالِكٌعَلَى التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ ،
وَمَا رَوَاهُالنَّسَائِيُّعَلَى التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ دَفْعًا لِلتَّعَارُضِ .
وَاسْتُدِلَّلِلشَّافِعِيِّوَمَنْ مَعَهُ بِحَدِيثِأَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّقَالَ :
أَنَا كُنْتُ أَحْفَظَكُمْ لِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَدِيثَ ،
وَفِيهِ فَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَلَسَ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْيُمْنَى ،
فَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ قَدَّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْأُخْرَى ،
وَقَعَدَ عَلَى مَقْعَدَتِهِرَوَاهُالْبُخَارِيُّ . قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ :
فِي رِوَايَةِعَبْدِ الْحَمِيدِحَتَّى إِذَا كَانَتِ السَّجْدَةُ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا التَّسْلِيمُ،
وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَابْنِ حِبَّانَالَّتِي تَكُونُ خَاتِمَةَ الصَّلَاةِ أَخْرَجَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى ،
وَقَعَدَ مُتَوَرِّكًا عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ، قَالَ : وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ حُجَّةٌ قَوِيَّةٌلِلشَّافِعِيِّ
وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ فِي أَنَّ هَيْئَةَ الْجُلُوسِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ مُغَايِرَةٌ لِهَيْئَةِ الْجُلُوسِ فِي الْأَخِيرِ .
وَقَدْ قِيلَ فِي حِكْمَةِ الْمُغَايَرَةِ بَيْنَهُمَا : إِنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى عَدَمِ اشْتِبَاهِ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ ،
وَلِأَنَّ الْأَوَّلَ تَعْقُبُهُ حَرَكَةٌ بِخِلَافِ الثَّانِي ، وَلِأَنَّ الْمَسْبُوقَ إِذَا رَآهُ عَلِمَ قَدْرَ
مَا سُبِقَ بِهِ وَاسْتَدَلَّ بِهِالشَّافِعِيُّأَيْضًا ، عَلَى أَنَّ تَشَهُّدَ الصُّبْحِ كَالتَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ
مِنْ غَيْرِهِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ ، انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ .
وَاسْتُدِلَّ لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِأَبُو حَنِيفَةَ، وَمَنْ مَعَهُ مِنْ تَفْضِيلِ الِافْتِرَاشِ فِي التَّشَهُّدَيْنِ
بِحَدِيثِوَائِلِ بْنِ حُجْرٍالْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْبَابِ .
وَالْجَوَابُ : أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ بِحَدِيثِأَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّالْمَذْكُورِ ،
لِمَا رَوَاهُالنَّسَائِيُّفِي بَابِ : مَوْضِعُ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الْجُلُوسِ لِلتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ ،
عَنْوَائِلِ بْنِ حُجْرٍقَالَ : أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَيْتُهُ
يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ الْحَدِيثَ ، وَفِيهِ وَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ
أَضْجَعَ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْيُمْنَى ..إِلَخْ ، وَبِحَدِيثِعَائِشَةَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ،
قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَفْتِحُ الصَّلَاةَالْحَدِيثَ وَفِيهِ :
وَكَانَ يَقُولُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ : التَّحِيَّاتُ ، وَكَانَ يَفْرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيَنْصِبُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى ،
وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عَقِبَةِ الشَّيْطَانِ رَوَاهُمُسْلِمٌ