وَأَمَّا فَتْوَىابْنِ عَبَّاسٍرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَخْرَجَهُالْبَيْهَقِيُّأَيْضًا بِإِسْنَادِهِ عَنْعَطَاءٍعَنْهُ قَالَ : اقْرَأْ خَلْفَ الْإِمَامِ جَهَرَ أَوْ لَمْ يَجْهَرْ ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ : قَالَ : لَا تَدَعْ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ ، جَهَرَ الْإِمَامُ أَوْ لَمْ يَجْهَرْ ، وَأَخْرَجَهُ بِإِسْنَادِهِ عَنْإِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، حَدَّثَنَاالْعَيْزَارُ بْنُ حُرَيْثٍقَالَ : سَمِعْتُابْنَ عَبَّاسٍيَقُولُ : اقْرَأْ خَلْفَ الْإِمَامِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ، قَالَالْبَيْهَقِيُّ : وَهَذَا سَنَدٌ صَحِيحٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ .
وَأَمَّا فَتْوَىعَلِيٍّرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَخْرَجَهُالْبَيْهَقِيُّأَيْضًا فِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ بِإِسْنَادِهِ ، عَنْعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْعَلِيٍّرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : اقْرَأْ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ خَلْفَ الْإِمَامِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ . قَالَالْبَيْهَقِيُّ : هَذَا الْإِسْنَادُ مِنْ أَصَحِّ الْأَسَانِيدِ فِي الدُّنْيَا ، انْتَهَى .
وَأَمَّا فَتْوَىعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَخْرَجَهُالْبَيْهَقِيُّأَيْضًا فِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ عَنْهُ قَالَ : لَا تَزْكُو صَلَاةُمُسْلِمٍإِلَّا بِطُهُورِ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَرَاءَ الْإِمَامِ وَغَيْرِ الْإِمَامِ . وَمِنْهَا : أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُعَارِضٌ وَمُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِفَإِنَّهُ بِعُمُومِهِ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُقْتَدِيَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ قِرَاءَةٍ حَقِيقِيَّةٍ خَلْفَ الْإِمَامِ .
وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ الْقِرَاءَةِ الْحَقِيقِيَّةِ خَلْفَ الْإِمَامِ عَلَى قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ ، أَوْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُقْتَدِيَ لَا حَاجَةَ لَهُ إِلَى الْقِرَاءَةِ الْحَقِيقِيَّةِ خَلْفَ الْإِمَامِ ، بَلْ قِرَاءَةُ إِمَامِهِ تَكْفِيهِ عَلَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ ، وَعَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ يَسْقُطُ هَذَا الْحَدِيثُ عَنِ الِاسْتِدْلَالِ . وَقَدِ اسْتَدَلَّ الْحَنَفِيَّةُ بِحَدِيثِابْنِ أُكَيْمَةَعَنْأَبِي هُرَيْرَةَالَّذِي أَخْرَجَهُالتِّرْمِذِيُّفِي هَذَا الْبَابِ بِلَفْظِ : إِنِّيأَقُولُ مَا لِي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ، وَبِحَدِيثِابْنِ مَسْعُودٍ، وَبِحَدِيثِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍاللَّذَيْنِ أَشَارَ إِلَيْهِمَاالتِّرْمِذِيُّ، وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الثَّلَاثَةَ لَا تَدُلُّ عَلَى مَنْعِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ الْمُتَنَازَعِ فِيهَا ، وَهِيَ الْقِرَاءَةُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي النَّفْسِ - ص 213 - وَبِالسِّرِّ ، بِحَيْثُ لَا تُفْضِي إِلَى الْمُنَازَعَةِ بِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ ، نَعَمْ تَدُلُّ عَلَى مَنْعِ الْقِرَاءَةِ بِالْجَهْرِ خَلْفَهُ وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ بِالِاتِّفَاقِ .
تَنْبِيهٌ : اعْلَمْ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ قَدِ اسْتَدَلُّوا عَلَى مَنْعِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ بِبَعْضِ آثَارِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَأَثَرِزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : لَا قِرَاءَةَ مَعَ الْإِمَامِ فِي شَيْءٍ رَوَاهُمُسْلِمٌ . وَأَخْرَجَهُالطَّحَاوِيُّرَحِمَهُ اللَّهُ عَنْزَيْدٍوَجَابِرٍوَابْنِ عُمَرَأَنَّهُمْ قَالُوا لَا يُقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي شَيْءٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ .
قُلْتُ : احْتِجَاجُهُمْ بِهَذِهِ الْآثَارِ لَيْسَ بِشَيْءٍ ، فَإِنَّ الْأَئِمَّةَ الْحَنَفِيَّةَ كَالشَّيْخِابْنِ الْهُمَامِوَغَيْرِهِ قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ مَا لَمْ يَنْفِهِ شَيْءٌ مِنَ السُّنَّةِ ، وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْمَرْفُوعَةَ الصَّحِيحَةَ دَالَّةٌ عَلَى وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فَهِيَ تَنْفِي هَذِهِ الْآثَارَ فَكَيْفَ يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهَا . قَالَ صَاحِبُ إِمَامِ الْكَلَامِ : صَرَّحَابْنُ الْهُمَامِوَغَيْرُهُ أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ مَا لَمْ يَنْفِهِ شَيْءٌ مِنَ السُّنَّةِ . وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْمَرْفُوعَةَ دَالَّةٌ عَلَى إِجَازَةِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ خَلْفَ الْأَئِمَّةِ ، فَكَيْفَ يُؤْخَذُ بِالْآثَارِ وَتُتْرَكُ السُّنَّةُ ، انْتَهَى .
وَأَيْضًا قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ حُجِّيَّةَ آثَارِ الصَّحَابَةِ إِنَّمَا تَكُونُ مُفِيدَةً إِذَا لَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ مُخْتَلَفًا فِيهِ بَيْنَهُمْ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ وَنُورِ الْأَنْوَارِ ، وَالْأَمْرُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ كَذَلِكَ ، بَلْ فِيهِ اخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَمَا عَرَفْتَ فَكَيْفَ يَصِحُّ احْتِجَاجُهُمْ بِهَذِهِ الْآثَارِ ، لَا بُدَّ أَنْ تُحْمَلَ عَلَى قِرَاءَةِ السُّورَةِ الَّتِي بَعْدَ الْفَاتِحَةِ أَوْ عَلَى الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ مَعَ الْإِمَامِ لِئَلَّا تُخَالِفَ الْأَحَادِيثَ الْمَرْفُوعَةَ الصَّحِيحَةَ . قَالَالنَّوَوِيُّفِي شَرْحِمُسْلِمٍ : وَالثَّانِي أَنَّهُ أَيْ قَوْلُزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍمَحْمُولٌ عَلَى قِرَاءَةِ السُّورَةِ الَّتِي بَعْدَ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ ، فَإِنَّ الْمَأْمُومَ لَا يُشْرَعُ لَهُ قِرَاءَتُهَا ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ مُتَعَيَّنٌ لِيُحْمَلَ قَوْلُهُ عَلَى مُوَافَقَةِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ ، انْتَهَى . وَقَالَالْبَيْهَقِيُّفِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ : وَهُوَ قَوْلُزَيْدٍرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَحْمُولٌ عِنْدَنَا عَلَى الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ مَعَ الْإِمَامِ ، وَمَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ التَّابِعِينَ قَالَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلًا يُحْتَجُّ بِهِ مَنْ لَمْ يَرَ الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ إِلَّا وَهُوَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ تَرْكُ الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ ، انْتَهَى .