
12-15-2016, 01:43 PM
|
Senior Member
|
|
تاريخ التسجيل: May 2015
المشاركات: 61,453
|
|
بين الموت والحياة
من:الأخ / رضا ريحان
بين الموت والحياة
قال تعالى :
{ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ
كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا }
[ الأنعام : 122 ]
وهذا مثل ضربه الله للذي هداه بعد الضلالة وشبَّهه بأنه كان كالميت
الذي أحياه الله ، وجعل له نورا يمشي به في الناس مستضيئا به ،
فيميز بعضهم من بعض ، ويفصل بين أبيضهم وأسودهم وجميلهم
وقبيحهم ومن يعرف منهم ومن لا يعرف ، ويسير فلا يتعثَّر أو ينكب
على وجهه ، ويعرف طريقه بل يساعد غيره على معرفة طريقه :
يرشد العميان ويهدي الحيران ، أهذا مثله مثل من بقي على الضلالة
المتخبط في الظلمة لا ينفك منها ولا يتخلص؟!
ولكي تفهمه الفارق جيدا بين الفريقين وترى التناقض الكبير
والبون الشاسع بين طريقين ، فاسمع ما قاله زيد بن أسلم
والإمام السُّدِّي في تفسير هذه الآية :
" { فَأَحْيَيْنَاهُ } :
عمر رضي الله عنه ،
{ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ }
: أبو جهل لعنه الله " .
إنه الفارق بين السماء والأرض ، لكن الصحيح أنها عامة في كل مسلم
وكافر ، أو ضال ومهتدي ، ووصف الموت هذا أحد عشرة أوصاف
وصف الله بها قلوب الكافرين في القرآن.
قال الإمام القرطبي :
" وقال أهل المعاني : وصف الله تعالى قلوب الكفار بعشرة أوصاف :
بالختم والطبع والضيق والمرض والرين والموت والقساوة والانصراف
والحمية والإنكار ، فقال في الإنكار :
{ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ }
[ النحل : 22 ] ،
وقال في الحميّة :
{ إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ }
[ الفتح : 26 ] ، وقال في الانصراف :
{ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ }
[ التوبة : 127 ] ، وقال في القساوة :
{ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ }
[ الزمر : 22 ] ، وقال :
{ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ }
[ البقرة : 74 ]
، وقال في الموت :
{ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ }
[ الأنعام : 122 ] ،
وقال :
{ إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ }
[ الأنعام : 36 ]
وقال في الرين :
{ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ }
[ المطففين : 14 ] ،
وقال في المرض :
{ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ }
[ البقرة : 10 ] ، وقال في الضيق :
{ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا }
[ الأنعام : 125 ] ،
وقال في الطبع :
{ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ }
[ التوبة : 87 ]
وقال :
{ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ }
[ النساء : 155 ] ،
وقال في الختم :
{ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ }
[ البقرة : 7 ] " .
وفي مقابل وصف : ميت ؛ أطلق الله على كل من قُتِل جهادا في سبيله
لفظ : حي ، بل حرَّم علينا أن نطلق عليهم لقب أموات ،
وما ذلك إلا لحياة قلبه ، فقال :
{ وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ
بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ }
[ آل عمران : 154 ]
فنهانا سبحانه أن نطلق على الشهيد كلمة : ميت ، فهو حي في حياته
وبعد رحيله ، لذا قال النبي صلى الله عليه وسلم عن طلحة بن عبيد الله
وهو حي :
( طلحة ممن قضى نحبه )
، فالحي حي في حياته وبعد مماته ، وميت القلب ميت في حياته
وبعد موته ، وحياة قلب الشهيد توحي بها معنى كلمة شهيد والتي تعني
أنه شهد على الغيب حتى صار عنده شهادة ، ولأنه رأى بقلبه ما لا يراه
الناس إلا بعد موتهم ؛ فأقدم على التضحية بأغلى ما يملك ؛
كوفئ باستمرار إطلاق صفة الحياة عليه حتى بعد الموت.
|