وَ أَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الْإِشْرَاكِ بِاللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ،
وَ إِنْ كَانَ خَفِيًّا ، وَ الدَّلِيلُ عَلَى ذَمِّ الْوَجْهَيْنِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ :
اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَ ثَنًا ، اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ .
وَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَ أَشْبَهُ ، كَذَا قَالَالتُّورِبِشْتِيُّ: وَ فِي شَرْحِ الشَّيْخِ :
فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ يَحْرُمُ الصَّلَاةُ إِلَى قَبْرِ نَبِيٍّ أَوْ صَالِحٍ تَبَرُّكًا وَ إِعْظَامًا ،
قَالَ وَ بِذَلِكَ صَرَّحَالنَّوَوِيُّوَ قَالَ التُّورِبِشْتِيُّوَ أَمَّا إِذَا وُجِدَ بِقُرْبِهَا مَوْضِعٌ بُنِيَلِلصَّلَاةِ
أَوْ مَكَانٌ يَسْلَمُ فِيهِ الْمُصَلِّي عَنِ التَّوَجُّهِ إِلَى الْقُبُورِ فَإِنَّهُ فِي مِنْحَةٍ مِنَ الْأَمْرِ ،
وَ كَذَلِكَ إِذَا صَلَّى فِي مَوْضِعٍ قَدِ اشْتُهِرَ بِأَنَّ فِيهِ مَدْفِنَ نَبِيٍّ لَمْ يَرَ لِلْقَبْرِ فِيهِ عَلَمًا
وَ لَمْ يَكُنْ تَهْدِهِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْعَمَلِ الْمُلْتَبِسِ بِالشِّرْكِ الْخَفِيِّ .
وَ فِي شَرْحِ الشَّيْخِ مِثْلُهُ حَيْثُ قَالَ :
وَ خَرَجَ بِذَلِكَ اتِّخَاذُ مَسْجِدٍ بِجِوَارِ نَبِيٍّ أَوْ صَالِحٍ وَ الصَّلَاةُ عِنْدَ قَبْرِهِ لَا لِتَعْظِيمِهِ
وَ التَّوَجُّهِ نَحْوَهُ بَلْ لِحُصُولِ مَدَدٍ مِنْهُ حَتَّى يُكْمِلَ عِبَادَتَهُ بِبَرَكَةِ مُجَاوَرَتِهِ
لِتِلْكَ الرُّوحِ الطَّاهِرَةِ فَلَا حَرَجَ فِي ذَلِكَ لِمَا وَرَدَ أَنَّ قَبْرَإِسْمَاعِيلَعَلَيْهِ السَّلَامُ
فِي الْحِجْرِ تَحْتَ الْمِيزَابِ ، وَ أَنَّ فِي الْحَطِيمِ بَيْنَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَ زَمْزَمَ قَبْرَ سَبْعِينَ نَبِيًّا ،
وَ لَمْ يُنْهَ أَحَدٌ عَنِ الصَّلَاةِ فِيهِ ، انْتَهَى .
وَ كَلَامُ الشَّارِحِينَ مُطَابِقٌ فِي ذَلِكَ ، انْتَهَى مَا فِي اللُّمَعَاتِ .
قُلْتُ : ذَكَرَ صَاحِبُ الدِّينِ الْخَالِصِ عِبَارَةَ اللُّمَعَاتِ هَذِهِ كُلَّهَا ، ثُمَّ قَالَ رَدًّا عَلَيْهَا مَا لَفْظُهُ :
مَا أَبْرَدَ هَذِهِ التَّحْرِيرَ وَ الِاسْتِدْلَالَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ التَّقْرِيرِ ;
لِأَنَّ كَوْنَ قَبْرِإِسْمَاعِيلَعَلَيْهِ السَّلَامُ وَ غَيْرِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ سَوَاءٌ كَانُوا سَبْعِينَ
أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ لَيْسَ مِنْ فِعْلِ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ وَ لَا هُوَ وَ هُمْ دُفِنُوا لِهَذَا الْغَرَضِ هُنَاكَ ،
وَ لَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ و صحبه وَ سَلَّمَ
وَ لَا عَلَامَاتِ لِقُبُورِهِمْ مُنْذُ عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ ،
وَ لَا تَحَرَّى نَبِيُّنَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ قَبْرًا مِنْ تِلْكَ الْقُبُورِ عَلَى قَصْدِ الْمُجَاوَرَةِ
بِهَذِهِ الْأَرْوَاحِ الْمُبَارَكَةِ ، وَ لَا أَمَرَ بِهِ أَحَدًا وَ لَا تَلَبَّسَ بِذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ سَلَفِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَ أَئِمَّتِهَا ،
بَلِ الَّذِي أَرْشَدَنَا إِلَيْهِ وَ حَثَّنَا عَلَيْهِ أَنْ لَا نَتَّخِذَ قُبُورَ الْأَنْبِيَاءِ مَسَاجِدَ
كَمَا اتَّخَذَتِالْيَهُودُوَ النَّصَارَى، وَ قَدْ لَعَنَهُمْ عَلَى هَذَا الِاتِّخَاذِ فَالْحَدِيثُ بُرْهَانٌ قَاطِعٌ
لِمَوَادِّ النِّزَاعِ ، وَ حُجَّةٌ نَيِّرَةٌ عَلَى كَوْنِ هَذِهِ الْأَفْعَالِ جَالِبَةً لِلَّعْنِ ،
وَ اللَّعْنُ أَمَارَةُ الْكَبِيرَةِ الْمُحَرَّمَةِ أَشَدَّ التَّحْرِيمِ .
فَمَنِ اتَّخَذَ مَسْجِدًا بِجِوَارِ نَبِيٍّ أَوْ صَالِحٍ رَجَاءَ بَرَكَتِهِ فِي الْعِبَادَةِ
وَ مُجَاوَرَةِ رُوحِ ذَلِكَ الْمَيِّتِ فَقَدْ شَمِلَهُ الْحَدِيثُ شُمُولًا وَاضِحًا كَشَمْسِ النَّهَارِ ،
وَ مَنْ تَوَجَّهَ إِلَيْهِ وَ اسْتَمَدَّ مِنْهُ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ أَشْرَكَ بِاللَّهِ ،
وَ خَالَفَ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ على آلِهِ و صحبه وَ سَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ،
وَ مَا وَرَدَ فِي مَعْنَاهُ . وَ لَمْ يُشْرَعِ الزِّيَارَةُ فِي مِلَّةِ الْإِسْلَامِ
إِلَّا لِلْعِبْرَةِ وَ الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا وَ الدُّعَاءِ بِالْمَغْفِرَةِ لِلْمَوْتَى .
وَ أَمَّا هَذِهِ الْأَغْرَاضُ الَّتِي ذَكَرَهَا بَعْضُ مَنْ يُعْزَى إِلَى الْفِقْهِ وَ الرَّأْيِ وَ الْقِيَاسِ
فَإِنَّهَا لَيْسَتْ عَلَيْهَا أَثَارَةٌ مِنْ عِلْمٍ ، وَ لَمْ يَقُلْ بِهَا فِيمَا عَلِمْتُ أَحَدٌ مِنَ السَّلَفِ ،
بَلِ السَّلَفُ أَكْثَرُ النَّاسِ إِنْكَارًا عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْبِدَعِ الشِّرْكِيَّةِ ، انْتَهَى .
قَوْلُهُ : ( وَ فِي الْبَابِ عَنْأَبِي هُرَيْرَةَوَ عَائِشَةَ )
أَمَّا حَدِيثُأَبِي هُرَيْرَةَفَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ قَالَ :
قَاتَلَ اللَّهُالْيَهُودَوَ النَّصَارَىاتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ.
وَ فِي رِوَايَةٍلِمُسْلِمٍ : لَعَنَ اللَّهُالْيَهُودَوَ النَّصَارَىاتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ
. وَ أَمَّا حَدِيثُعَائِشَةَفَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ أَيْضًا بِلَفْظِ
: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي لَمْ يَقُمْ مِنْهُ :
لَعَنَ اللَّهُالْيَهُودَوَ النَّصَارَىاتَّخَذُواقُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ
وَ فِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْجُنْدُبٍ، قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ يَقُولُ:
أَلَا وَ إِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَ صَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ ،
أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ إِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ .
أَخْرَجَهُمُسْلِمٌ .
قَوْلُهُ : ( حَدِيثُابْنِ عَبَّاسٍحَدِيثٌ حَسَنٌ )
وَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَ النَّسَائِيُّ .