64 خطبتى صلاة الجمعة بعنوان : ( حرية الكلمة )
الأخ فضيلة الشيخ / نبيل عبدالرحيم الرفاعى
أمام و خطيب مسجد التقوى - شارع التحلية - جدة
حصريــاً لبيتنا و لتجمع الجروبات الإسلامية الشقيقة
و سمح للجميع بنقله إبتغاء للأجر و الثواب
================================================== ================================
64 - خطبتى الجمعة بعنوان ( حرية الكلمة )

الحمد لله العلي الأعلى ، خلق فسوى ، و قدر فهدى ،
أحصى على العباد أقوالهم و أفعالهم في كتابٍ لا يضل ربي و لا ينسى .
أحمده سبحانه و أشكره ، و أتوب إليه و أستغفره ،
له ما في السموات و ما في الأرض و ما بينهما و ما تحت الثرى ،
و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، جلَّت عظمته ، و عمت قدرته ،
و تمت كلمته صدقًا و عدلاً :
{ وَإِن تَجْهَرْ بِٱلْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلسّرَّ وَأَخْفَى }
[ طه : 7 ] .
و أشهد أن سيدنا و نبينا محمدًا عبده و رسوله بعثه بالحق و الهدى ،
فما ضل و ما غوى ، و ما نطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى .
صلى الله و سلم و بارك عليه و على آله دوحة البيت الطاهرة ،
و على صحابته عصبة الحق الظاهرة ،
و التابعين و من تبعهم بإحسان العالمين في الأولى و الآخرة و سلم تسليمًا كثيرًا .
أمـــا بعـــد :
فأوصيكم ـ أيها الناس ـ و نفسي بتقوى الله عز و جل ، فاتقوا الله رحمكم الله ،
و اسلكوا طريق العارفين ، و امتطوا مراكب المتّقين ، كونوا على وجل من هجوم الأجل ،
و لا تُطغِكم الدنيا ، و لا يلكم الأمل . استعدّوا ـ وفقكم الله ـ بتقوى الله و صالح العمل ،
ما أثقلَ رقادَ الغافلين ، و ما أغلظ قلوبَ المستكبرين ، الأيام تمرّ مرّ السحاب ،
و الأعمار آخذة في الذهاب ، و الأعمال محفوظة في كتاب ، و الموعد يوم الحساب ،
فاحذروا ـ رحمني الله و إياكم ـ حسرة النادمين و صفقةَ الخاسرين ،
{ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ
وَإِنْ كُنْتُ لَمِنْ السَّاخِرِينَ }
[ الزمر : 56 ] .
أيّها المسلمون ،
أخصّ خصائصِ الإنسان أنّه وحدَه المخلوق الناطق ، الإنسان ينفرِد بالنطق ،
و يتميّز بصوتِ الكلمة ، و الكلمة هي لَبوس المعنى و قالَبُه ،
و الإنسان هو المخلوق الفريد القادِر على التعبير عمّا بداخله من عواطفَ
و انفعالاتٍ و أشجان و مقاصدَ و رغبات و إرادات ، يعبِّر عنها بالقولِ و بالكتابة ،
باللّسان و بالقلم و بالمشاعر ،
{ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ }
[ البلد : 8-10 ] ،
بل الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي يطلِق الحرّيّاتِ و يكبِتها بعدلٍ و بظلم ،
( متى استعبدتم الناس و قد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ؟! ) .
و الرابط بين الإنسان و الإنسانِ هو الحوار و تبادلُ الكلام ،
و من تكلَّم وحدَه أو خاطب نفسَه عُدّ من الحمقى و ناقصِي العقول ،
إن لم يكن من المجانين و فاقدِي الأهليّة .
و المرء حين يتكلَّم لا يكلِّم نفسه، و لا يتكلَّم من أجلِ نفسه،
و لكنه يتكلَّم ليسمِعَ الآخرين و يسمَع منه الآخرون ، يتكلّم ثم ينصِت ،
أو يتكلّم بعد أن ينصت . إنَّ الناس تتبادَل الكلام فيما بينها للبناءِ و التفاهم ،
و ليس للمواجهة و التصادُم .
من أجلِ هذا كلِّه ـ أيها المسلمون ـ فإنَّ الكلمة هي
عنوان العقلِ و ترجمَان النفس و برهان الفؤادِ ، فالكلمةُ لها مكانتُها ،
بل لها أثرُها و خطرُها . و من أجلِ هذا فيجب أن تكونَ لها حرّيّتُها ،
كما يجِب أن تضبط حرّيّتها ؛ فالحرية مسؤوليةٌ .
عبادَ الله ، ليس من المبالغة إذا قيل : إنَّ الحياة البشرية بناؤها على الكلمةِ ،
{ وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا }
[ البقرة : 31 ] ،
بسم الله الرحمن الرحيم ،
{ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ }
[ الرحمن : 1- 4 ] ،
و آدمُ تلقى من ربِّه كلمات فتاب عليه ، و ابتَلى إبراهيمَ ربّه بكلمات فأتمهنّ ،
{ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا }
[ النساء : 164 ] ،
و عيسى عليه السلام رسول الله و كلمته ألقاها إلى مريم و روحٌ منه ،
ومحمّد صلى الله و سلم و بارك عليه أوتي جوامعَ الكَلِم و اختُصِر له الكلام اختصارًا ،
و ما نطَق عن الهوى ،
{ إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى }
[ النجم : 4 ] .
بل إنَّ دين الإسلام الذي جاء به محمّدٌ صلى الله عليه و سلم قام على الكلمةِ و أسِّس عليها ،
بسم الله الرحمن الرحيم ،
{ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ *
اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ }
[ العلق :1 -5 ] ،
بسم الله الرحمن الرحيم ،
{ ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ }
[ القلم : 1 ] .
الإسلام استَقبَلَ الكلِمةَ من السماء بأمانة ،
و أرسَلها إلى الناس بالحقّ . الرسالة و الدعوةُ و التبليغ كلُّ ذلك بالكلِمة ،
{ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى }
[ النجم : 2-4 ] .
و السِّفر العظيم الذي تنزَّل على قلبِ محمد صلى الله عليه و سلم
هو كلام الله عز وجل و كتابُه ، و هو القرآن الكريم ، كتابٌ عزيز ،
{ لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ }
[ فصلت : 42 ] .