من:الأخ / سمير يعقوب
اغتنموا أبويكم قبل الرحيل
لن نشعر كثيرا بنعمة البصر ونحن مبصرون , و لن نشعر بنعمة السمع
طالما كانت آذاننا سليمة مصغية , ولن نشعر بنعمة الحركة و الحيوية
أثناء السير و التنزه , لكننا عندما نفتقد أحد حواسنا حينئذ ندرك قيمة
النعم التي نمتلكها و نحن غير شاعرين بها .
فالنعم أمامنا و بين أيدينا و من خلفنا و لا نستبق اغتنامها , أو الاهتمام
بها , أو الشكر عليها كما ينبغى .
أحدثكم عن نعمة غالية من أهم النعم وأعظمها , بين أيدينا , هي
آباؤنا وأمهاتنا , لكننا نشعر بهم وكأنهم كغيرهم ممن حولنا من الناس ,
ونساوي علاقتنا بهم كعلاقتنا بالآخرين من حولنا , نغاضبهم ,
ونغفل عنهم , ونباعدهم , وربما ننساهم !
فالأبناء بعد زواجهم أكثر ما يفعلونه هو تخصيص يوم كل فترة لزيارة
أبويهم , بينما أيام متتالية ينشغلون عن الأحبة , ينشغلون عن أقرب
القلوب إليهم , عن أكثر من يحنوا إليهم و يحبهم على وجه الأرض !
..هؤلاء المعتبرون بين الناس بارين واصلين !
انتبهوا أيها الغافلون ...
إن أبويكم معكم اليوم , فهل هم معكم غدا ؟!
فالفرصة ما زالت فى أيديكم , يقول صلى الله عليه و سلم
( خاب و خسر من أدرك أبويه
أو أ حدهما في كبره ولم يدخل الجنة )
البخاري
فالجنة جائزة البار لوالديه , غنيمة كل مجتهد لرضاهم , كل من يدخل
السرور و السعادة فى قلوبهم , كل من يسقي أمه وأباه شربة ماء باردة
في يوم حار, أو يتذكرهما بهدية يقدمها إليهم بحب ..
الجنة هدية السهر عليهما في كبرهما و فى مرضهما , هدية لكل
من يحنوا عليهما مسارعا لقضاء حوائجهما , هدية الابتسامة
عند لقائهما والصبر عند بلائهما .
أما من يسوف السؤال عليهم , ويساوي علاقته بهم بعلاقته بالناس
من غيرهم , أو يدخر أمواله عنهم , أو يقلل من زيارتهم , أو من يقطع
الوصال بينه وبينهم , أو يفضل أهله و أولاده عليهم ,أو يكتنز مشاعره
و حنانه عنهم , سيشعر بما بخل و ادخر بعد رحيلهم .
رد الجميل حق علينا ,
وكما اهتموا بنا بينما نحن لم نكن نستطيع لأنفسنا حراكا ,
فلنرعهم كبارا عندما يكونون في أمس الحاجة إلى ايدينا .
ولنصاحبهم في الدنيا معروفا وبرا , وعطاء , كما صاحبونا
من قبل عطاء بلا حدود .
إن الحصاد دائما يكون لما بث في جوف الأرض , فمن بث شوكا
فسيحصده , ومن زرع نبتا حسنا ورعاه , فلينتظر !
أما من فقد أغلى الناس , واستشعر الأزمة , واحتواه الألم ببعد والديه
أو أحدهما , بعد تقصيره معهما , فليستغفر الله آناء الليل وأطراف النهار
على كبير جرمه وثقيل همه , وليسع ليكون ولدا صالحا فيكتب لهما
من فعله الصالح بعد رحيلهما عنه .
فيا أمي أنت حملتنى تسعة أشهر وكنت سعيدة بحملي رغم وهنك وضعفك
, وسهرت الليالي لراحتي وبذلت لسعادتي , قدمت شبابك كله هدية لي ,
وصحتك رعاية لي , حتى هرمت وعطاؤك دائم مستمر بلا انقطاع .
وأنت يا ابت , قدمت عطاءك حتى آخر لحظة في حياتك ,
قدمت الحنان والرعاية والكرم والفضل , حتى آخر اللحظات ..
فيا ابوي لكما من قلبي الدعاء الخالص ,
ومن عملي ما استطيع ردا لجميل صنيعكما , ونقي قلوبكما .
أوصانا الله القدير بكما في كتابة العزيز , فقال :
{ وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ,
إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف
ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما , واخفض لهما جناح الذل
من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا }
الاسراء
وحذرنا من التأفف في وجهكما أو الإساءة لكما بالقول أو الفعل ,
وأمرنا بالسمع والطاعة لكما , فاعذرونا إن كنا غفلنا أو أهملنا ,
وسامحونا إن كنا تعدينا أو تطاولنا , فربما غرتنا منكم المسامحة ,
وربما اعتمدنا على قلوبكم النقية , وثقتنا أنكم لن تحملوا منا حزنا
أو ألما .. وأنتم ولاشك أهل لتلك الثقة ..