و من صلّى الصُّبْح فهو في ذمّة الله .
و لقد ذُكِر عند النبي صلى الله عليه و على آله و صحبه رجلٌ فقيل :
ما زال نائمًا حتى أصبح ، ما قام إلى الصلاة !
فقال رسول الله صلى الله عليه و على آله و صحبه :
(( ذاك رجلٌ بال الشيطان في أذنه ))
أخرجه البخاري .
أهل البُكُور قوم موفّقُون ، وجوههم مُسْفِرَة ، و نَوَاصِيهم مُشْرِقة ،
و أوقاتُهم مُباركة ، أهل جِدّ و عمل و سعي ،
يأخذون بالأسباب مُفَوّضين أمرهم إلى ربّهم ، متوكّلين عليه ، فهم أكثر عملاً ،
و أعظم رضًا ، و أشدّ قناعة ، و أرسخ إيمانًا ، و البركات فُيُوضٌ من الله و فُتُوحٌ ،
فتحنا عليهم بركات من السماء و الأرض ،
لا تقع تحت حَصْر لا في عمل و لا في عَدَد و لا في صورة و لا مكان
و لا زمان و لا أشخاص ، بركات من السماء و الأرض ،
بركات بكل أنواعها و ألوانها و صورها ، مما يَعْهُدُ الناسُ و مما لا يعهدونه .
فاستقيموا و لن تُحْصُوا ،
(( وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ))
[المزمل:20] .
عباد الله ، و حين يترك الناس البُكُور ، و يُهْمِلون الساعات المباركة ؛
تصبح أوقاتهم ضيّقة ، و صدورهم حَرِجَة ، و أعمالهم مُضْطَرِبة .
و بعد ، فهذا هو ديننا ، و هذا هو نهجنا ، و هذه هي إرشادات نبيّنا ،
فلماذا يسبقنا الآخرون ؟!
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :
(( وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ *
وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ *
وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ))
[الحجر:19-21].
نفعني الله و إياكم بالقرآن العظيم و بهدي محمد صلى الله عيه و على آله و صحبه و سلم .
و أقول قولي هذا ،
و أستغفر الله لي لكم و لسائر المسلمين من كل ذنب و خطيئة فاستغفروه ،
إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبه الثانيه

الحمد لله المُتَفَرِّد بالقُدْرة ، أحمده سبحانه لا تُقَدِّرُ الخلائقُ قَدْرَه ،
و أشكره على نعمٍ لا تُحصى ، و لا يُطيقُ العبادُ شُكْرَه .
و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك ،
جَلّ صفةً ، و عزّ اسمًا ،
و أشهد أن سيّدنا و نبيّنا محمدًا عبد الله و رسوله
علا شرفًا و إلى ذُرَا الأخلاق سَمَا ، صلى الله و سلم و بارك عليه
و على آله و أصحابه كانوا على الحق أعلامًا ، و على الهُدَى أنْجُمًا ،
و التابعين و من تبعهم بإحسان و سلّم تسليمًا .
أمـــا بعـــد :
أيها المسلمون ، البُكُور استقامة مع الفطرة في المخلوقات و الأشياء ،
و التبكير دليل قوّة العَزْم و شدّة التّشْمِير، و من أراد علمًا أو عملاً فليُبَادر بالبُكُور ،
فذلكم علامة اليقظة و النّباهة و الجدّ و الحَزْم و البُعْد عن الغفلة و الإهمال و الفوضى ،
روى مسلم في صحيحه أن رجلين جاءا إلى عبد الله بن مسعود رضى الله تعالى عنه
يزورانه بعد الفجر ، فأذنت لهم الجارية بالدخول فترَدّدَا ،
فقال لهما عبد الله بن مسعود :
( ادخلا ، أتظنان بابن أمّ عَبْدٍ الغفلةَ ؟! ) .
في البُكُور صفاء الذهن ، و جودة القَرِيحَة ، و حضور القلب ، و نَقَاء النفس ،
و نور الفكر ، فيه استجماع القُوى ، و استحضار المَلَكَة ، و انبعاث الفُتُوّة .
في البكور الهواء أنقى ، و العبد أتقى ، و النفس أطيب ، و الروح أزكى .
نسائم الصباح لها تأثيرها اللطيف على النفس و القلب و البدن و الأعصاب ،
و الجسم يكون في أفضل حالاته و أكمل قواه .
من غريب ما قالوا : إن أصحاب الأعمار الطويلة
هم من القوم الذين يستيقظون مُبَكّرين .
بل قالوا : إن الولادات الطبيعية في النساء تقع في ساعات النهار الأولى الباكرة .
بل إن بعض الباحثين يُرْجِع الاكتئاب و الأمراض النفسيّة
إلى ترك البُكُور و نوم الضُّحَى .
و بعد ، فتأمّلوا ـ رحمكم الله ـ حين يجتمع للعبد العاملِ الجادِّ البُكُور و البركة ،
بركة المال ، و بركة العمل ، و بركة الوقت ، فينتفع بماله ،
و يُفْسَحُ له في وقته ، و يُقْبِل على عمله ،
فينجز في الدقائق و الساعات ما لا ينجزه غيره ممن لم يُبارَك له في أيام و ليالي ،
يُبارَك له فيكون الانشراح و الإقدام و الإقبال و الرضا و الإنجاز .
ألا فاتقوا الله رحمكم الله ، و الزموا سُنَنَ الله ، و خذوا بالجدّ من أعمالكم ،
و الحَزْم من أموركم ، يُكتَب لكم الفلاح في الدنيا و الآخرة ،
فحيّ على الفلاح ، فالصلاة خير من النوم .
هذا وصلوا و سلموا على خير البرية نبيكم محمد رسول الله
فقد أمركم بذلك ربكم فقال عز من قائل سبحانه :
{ إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً }
[الأحزاب:56] .
اللّهمّ صلِّ و سلِّم و زِد و بارِك على عبدِك و رسولك نبيِّنا محمّد
الحبيب المُصطفى و النبيّ المُجتبى ،
و على آله الطيبين الطاهرين ، و على أزواجِه أمّهات المؤمنين ،
و ارضَ اللّهمّ عن الخلفاء الأربعة الراشدين :
أبي بكر و عمر و عثمان و عليٍّ ،
و عن الصحابة أجمعين ، و التابعين و من تبعهم بإحسان إلى يومِ الدين ،
و عنَّا معهم بعفوِك و جُودك و إحسانك يا أكرم الأكرمين .
اللّهمّ أعِزَّ الإسلام و المسلمين ، و أذلَّ الشركَ و المشركين ،
و أحمِ حوزةَ الدّين ، و أدِم علينا الأمن و الأمان و أحفظ لنا ولاة امورنا
، و رد كيد كل من أراد فتنة فى بلادنا فى نحره أو أى بلد من بلاد المسلمين
اللهم أمنا فى أوطاننا و أصلح أئمتنا و ولاة أمورنا ،
و أنصر عبادَك المؤمنين ...
ثم الدعاء بما ترغبون من فضل الله العلى العظيم الكريم
أنتهت