قال ذلك منكرا عليهم : أي أتصانعونني بمال ، لأترككم على شرككم .
و من الهدايا المحرمة ـ عباد الله ـ ، ما يعطاه العمال الذين يعينهم ولي الأمر
على حاجات الناس فيعطون الهدايا لأجل المحاباة ، بحيث لو كانوا في بيوتهم
لم ينلهم منها شيء ،
فهذه حرام لا يجوز أخذها بدليل ما رواه البخاري في صحيحه
أن النبي ( صلى الله عليه و سلم ) استعمل رجلا على صدقات بني سليم يدعى ابن اللتبية ،
فلما جاء حاسبه قال : هذا ما لكم و هذا هدية ،
فقال رسول الله ( صلى الله عليه و سلم ) :
(( فهلا جلست في بيت أبيك و أمك
حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقا )) ،
ثم خطب الناس فكان مما قال :
(( و الله لا يأخذ أحد منكم شيئا بغير حقه إلا لقي الله يحمله يوم القيامة ،
فلا أعرفن أحدا منكم لقي الله يحمل بعيرا له رغاء ،
أو بقرة لها خوار ، أو شاة تيعر ))
ثم رفع يديه حتى رُئي بياض إبطه
يقول : (( اللهم هل بلغت )) .
بارك الله لي و لكم في القران العظيم ،
جعلنا الله و إياكم هداة مهتدين غير ضالين و لا مضلين ،
أقول ما تسمعون و أستغفر الله لي و لكم و لسائر المؤمنين .
الخطبه الثانيه

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا و يرضى ،
و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،
و أشهد أن سيدنا و نبينا محمدا عبده و رسوله
صلى الله و سلم وبارك عليه و على آله الأتقياء البررة
و على التابعين و أتباعهم إلى يوم الدين .
أمـــا بعـــد :
فاتقوا الله عباد الله ، و اعلموا أن من الصور المحرمة في الهدايا ،
ما يهدى من أشياء محرمة كآلات لهو من معازف و غيرها ،
و كالتماثيل و الصور المحرمة ، أو ما يجلب الشر و يمنع الخير ،
و كل ما يجر البلاء على المسلمين ،
و يقضي على دينهم و الصبغة التي فطروا عليها و يحلق ما تبقى من خلال حسنة .
و كذا الإهداء و التهادي بمناسبة أعياد الكفار أو مناسباتهم المبتدعة ،
أو ما شابه ذلك مما هو مسترق من أهل الكفر ، و مغلف بأغلفة مزيفة كالحب و التصافي ،
و البر و الصلة و نحوها . فهذا كله محرم ؛ لأنه من باب التشبه بأهل الكفر ،
و النبي ( صلى الله عليه و سلم ) يقول :
(( من تشبه بقوم فهو منهم ))
[ رواه أحمد و أبو داود ] .
و قديما قيل : ( الطيور على أشكالها تقع ) .
و من الهدايا المحرمة عباد الله ، ما ابتلي به كثير من المجتمعات مما يسمى (( الرشوة ))
التي يتفننون في تسميتها ، أو يلقبونها بألقاب تخدع السذج ،
حتى لقد انتشرت انتشار النار في يابس الحطب ، حتى أفسدت كثيرا من الذمم ،
و صارت سببا لإفساد العمال على أصحاب العمل ، فيجعلون الخدمة لمن يدفع الرشوة ،
و من لا يدفع فلا حول له و لا قوة ،
فلا يجد أمامه في قضاء حوائجه إلا نفوسا منهومة منكسة ،
و الأصل في هذه الوظائف ـ عباد الله ـ أن يقوم رجالها على العدل بين الناس
ليسود الأمن بين كافة أفرادهم ،
فالذي يقبل الرشوة أو يطلبها من الموظفين العاملين على خدمة الجمهور ،
يكون قد أخل بالأمن ، و أفسد نظام الحكم، الراشي و المرتشي مجرمان
أثيمان يدفع الأول أجرا على إفساد العدل ، و يأخذ الثاني أجرا على الإخلال بالأمن ،
و المال الذي يأخذه المرتشي سحت و نار ،
لأنه يهدم شريعة قام عليها ركن العدل بين الناس ، فلا جرم ـ عباد الله ـ
إذا دعا عليهم النبي ( صلى الله عليه و سلم ) بقوله :
(( لعنة الله على الراشي و المرتشي ))
[ رواه ابن ماجة ] .
ألا فاتقوا الله رحمكم الله ، و تمسكوا بما شرعه لكم ربكم تفلحوا ،
و الزموا سنة نبيكم ( صلى الله عليه و سلم ) الذي أوصاكم بقوله :
(( تهادوا تحابوا ))
ثم صلّوا و سلّموا على رسولِ الله نبيِّكم محمّدٍ رسول الله ،
فقد أمركم بذلك ربّكم ، فقال عز من قائلا عليما :
{ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }
[الأحزاب: 56] .
اللّهمّ صلِّ و سلِّم و بارِكْ على عبدك و رسولك نبيّنا و سيّدنا محمّدٍ ،
صاحبِ الوجه الأنوَر و الجبين الأزهر و الخلُق الأكمل ،
و على آل بيتِه الطيّبين الطاهرين ، و على أزواجِه أمهاتنا أمّهات المؤمنين ،
و ارضَ اللّهمّ عن الخلفاء الأربعة الراشدين و الأئمّة المهديّين :
أبي بكر و عمر و عثمان و عليّ ،
و عن الصحابة أجمعين ، و التابعين و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ،
و عنّا معهم بعفوِك و جودك يا أكرم الأكرمين .
اللّهمّ أعِزَّ الإسلام و المسلمين ، و أذلَّ الشركَ و المشركين ،
و أحمِ حوزةَ الدّين ، و أدِم علينا الأمن و الأمان و أحفظ لنا ولاة امورنا ،
و رد كيد كل من أراد فتنة فى بلادنا فى نحره أو أى بلد من بلاد المسلمين
اللهم أمنا فى أوطاننا و أصلح أئمتنا و ولاة أمورنا ،
و أنصر عبادَك المؤمنين ...
ثم الدعاء بما ترغبون و ترجون من فضل الله العلى العظيم الكريم
أنتهت