( غنى النفس ) ابن القيم رحمه الله
(تفسير غنى النفس )
غنى النفس أنه استقامتها علىالمرغوب وسلامتها من الحظوظ وبراءتها من المراءاة, يريد استقامتها على الأمر الدينيالذي يحبه الله ويرضاه وتجنبها لمناهيه التي يسخطها ويبغضها وأن تكون هذه الاستقامةعلى الفعل والترك تعظيما لله سبحانه وأمره وإيمانا به واحتسابا لثوابه وخشية منعقابه.
لا طلبا لتعظيم المخلوقين له ومدحهم وهربامن ذمهم وازدرائهم,
وطلبا للجاه والمنزلة عندهم فإن هذا دليل على غاية الفقر من الله
والبعد عنه وأنه أفقر شيء إلى المخلوق.
فسلامة النفسمن ذلك واتصافها بضده دليل غناها
لأنهاإذا أذعنت منقادة لأمر الله طوعا واختيارا ومحبة وإيمانا واحتسابا بحيث تصير لذتهاوراحتها ونعيمها وسرورها في القيام بعبوديته كما كان النبي يقول يا بلال أرحنابالصلاة وقال حبب إلي من دنياكم النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة فقرة العينفوق المحبة فجعل النساء والطيب مما يحبه وأخبر أن قرة العين التي يطمئن القلببالوصول إليها ومحض لذته وفرحه وسروره وبهجته إنما هو في الصلاة التي هي صلة اللهوحضور بين يديه ومناجاة له واقتراب منه .
فكيف لا تكون قرة العين وكيف تقر عين المحب بسواها فإذا حصل للنفسهذا الحظ الجليل فأي فقر يخشى معه. وأي غنى فاتها حتى تلتفت إليه ولا يحصل لها هذاحتى ينقلب طبعها ويصير مجانسا لطبيعة القلب. فتصير بذلك مطمئنة بعد أن كانت لوامةوإنما تصير مطمئنة بعد تبدل صفاتها وانقلاب طبعها لاستغناء القلب بما وصل إليه مننور الحق سبحانه فجرى أثر ذلك النور في سمعه ونثره وشعره وبشره وعظمه ولحمه ودمه وسائر مفاصله وأحاط بجهاته من فوقه وتحته ويمينه ويساره وخلفه وأمامه وصارت ذاته نورا وصار عمله نورا وقوله نورا ومدخله نورا ومخرجه نورا وكان في مبعثه ممن انبهرله نوره فقطع به الجسر .