11-10-2018, 01:28 PM
|
Senior Member
|
|
تاريخ التسجيل: May 2015
المشاركات: 60,054
|
|
خطبتى الجمعة من المسجد الحرام بعنوان :أهمية الكلمة وخطورتها
خُطَبّ الحرمين الشريفين
خطبتى الجمعة من المسجد الحرام
مع الشكر للموقع الرسمى للحرمين الشريفين
ألقى فضيلة الشيخ سعود الشريم - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان:
أهمية الكلمة وخطورتها ،
والتي تحدَّث فيها عن اللِّسان ومدَى تأثيرِه إيجابًا وسلبًا، مُبيِّنًا أنَّ
الكلمةَ تبنِي وتهدِم، وتُقيمُ الدنيا وتُقعِدُها، مُحذِّرًا مِن إطلاقِ العِنان للِّسان
يتكلَّمُ به بما يشاء وقتما يشاء، وذلك مِن خلال تعدادِه لأحوالِ الناسِ مع اللِّسان.
الخطبة الأولى
الحمدُ لله الأول ليس قبلَه شيء، والآخر ليس بعده شيء، والظاهر ليس
فوقَه شيء، والباطِن ليس دُونه شيء، أحمدُه - جلَّ في عُلاه - وأشكُرُه،
وأتوبُ إليه مِن جميعِ الذنوبِ وأستغفِرُه، لا مانِع لما أعطَى، ولا مُعطِيَ
لما منَع، ولا ينفعُ ذا الجَدِّ مِنه الجَدُّ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده
لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُ الله ورسولُه، وخليلُه وخيرتُه مِن خلقِه،
بلَّغ الرسالةَ، وأدَّى الأمانةَ، ونصَحَ الأمة،
وترَكَنا على المحجَّة البيضاء ليلُها كنهارِها،
لا يزيغُ عنها إلا شقيٌّ هالِك، فصلواتُ الله وسلامُه عليه، وعلى آل بيتِه
الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجِه أمهات المُؤمنين، وعلى أصحابِه الغُرِّ الميامِين،
ومَن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فأُوصِيكم - أيها الناس - ونفسي بتقوى الله في المنشَط والمكرَه،
والغضب والرِّضا، والغيب والشهادة،
{ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ }
[النور: 52].
أيها الناس:
لقد أكرَمَ الله الإنسانَ بنعمٍ عظيمة، وآلاءٍ عميمة، وفضَّلَه على كثيرٍ مِمن
خلقَ تفضيلًا، ووهَبَه على سبيلِ الامتِنان بيانًا يمتازُ به عن غيرِه،
ويُبِينُ به مُرادَه، ويُحقِّقُ غايتَه،
{ الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ }
[الرحمن: 1- 4].
وما كان لمثلِ هذا البيانِ أن ينبَثِقَ من فُؤاد الإنسان، لولا أن جعلَ الله له
لسانًا يُحرِّكُ به الحروف، وشفتَين يُتقِنُ بهما مخارِجَها،
{ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ }
[البلد: 8، 9].
إنَّه اللِّسانُ - عباد لله -، جسمٌ لحميٌّ بين فكَّي الإنسان، يُظهِرُ للملأ ما قد
زوَّرَه في نفسِه مِن كلامٍ، ويُطلِعُهم على حجم ما يملِكُه مِن عقلٍ بقَدر ما
يملِكُه مِن بيان؛ فإنَّ اللِّسان رِشاءُ القلب، وبريدُه الناطِق، وبه يختارُ
المرءُ مصيرَه إما إلى هلاكٍ، وإما إلى نجاةٍ.
كيف لا، والمُصطفى - صلى الله عليه وسلم - هو مَن قال:
( وهل يكُبُّ الناسَ في النَّار على وُجوهِهم - أو على مناخِرِهم –
إلا حصائِدُ ألسِنَتهم؟! )؛
رواه أحمد والترمذي.
اللِّسانُ - عباد الله - سلاحٌ ذُو حدَّين؛ مَن أحسنَ استِعمالَه نالَ به ما يُحمَد،
ومَن أساءَ استِعمالَه عادَ عليه بالحسرَة والوَبال.
وإنَّ كثيرًا مِن النِّزاعات والحُروب لم تكُن لتطفُو إلا بسببِ اللِّسان وعثَرَاتِه.
فإذا كانت النِّيران تُذكَى بالعِيدان، فإنَّ الحروبَ مبدؤُها كلام، وما وقعَ
خلافُ ولا تباغُضٌ ولا تدابُرٌ إلا وللِّسَان مِنه نصِيبٌ بمُجافاتِه ما هو أحسَن،
وبَينُونَته عن القول السديد،
{ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ }
[الإسراء: 53].
ولا عجَبَ - عباد الله -؛ فإنَّ نَزغَ الشيطان لن يجِد محلًّا له بين الناسِ إلا
إذا فقَدَ اللِّسانُ حُسنَه، وقدَّم ما يشِينُ على ما يَزِينُ، وإنَّ تحقُّق التقوَى
بأفئِدَتهم وصلاحِ أعمالِهم لا يتمُّ إلا إذا حكَمَ ألسِنتَهم القولُ السديدُ،
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ
أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ }
[الأحزاب: 70، 71].
إنَّ دينَ المرء وعقلَه يُوجِبان عليه استِشعارَ عِظَم شأنِ لِسانِه وما له
مِن تبِعَاتٍ وما عليه مِنها؛ فإنَّ عثرَةَ اللِّسان أشدُّ خطرًا على صاحِبِه
مِن عثرَةٍ برِجلِه، وإنَّ مكمَنَ خُطورتِه يبدُو في استِصغار حجمِه أمام
بقيَّة أعضاءِ جسَدِه.
فكَم مِن أرواحٍ أُزهِقَت بسببِه .. وكَم مِن أعراضٍ قُذِفَت مِن خلالِه ..
وكَم مِن حقٍّ قُلِبَ باطلًا، وباطِلٍ قُلِبَ حقًّا، كلُّ ذلكم بسببِ إعمالِ اللِّسان
فيما لا يجوزُ، أو إحجامِه عما ينبغي، في حين أنَّ أخطارَه وأضرارَه
أسرعُ في المُضِيِّ مِن نفعِه؛ لأن بعضَ الأفهام تعبَثُ بالأسماع،
فلا تعرِفُ لإحسانِ الظنِّ طريقًا، ولا للمحمَلِ الحسَنِ سبيلًا؛ فإنَّ الكلِمة
إذا خرَجَت مِن لِسان المرء لم تعُد مُلكًا له، بل تُصبِحُ كالكرة تتقاذَفُها
مضارِبُ اللاعِبِين بها، كلٌّ يُفسِّرُها بما يخدِمُ غاياتِه ومآرِبَه.
والواقعُ - عباد الله - أنَّ الناسَ مع ألسِنتهم ثلاثةُ أصنافٍ:
حكيمٌ، ونَزِقٌ، وجاهِلٌ.
فالحكيمُ يقُودُ عقلُه لِسانَه، فله عقلٌ حاضِر، ودينٌ زاجِر، يعرِفُ مواضِع
الإكرام باللِّسان، ومواضِع الإهانة به، يعلَمُ الكلامَ الذي به يندَم، والذي
به يفرَح، وهو على ردِّ ما لم يقُل أقدَرُ مِنه على ردِّ ما قال. فمِثلُه يعلَمُ
أنَّه إذا تكلَّم بالكلِمَةِ ملَكَتْه، وإن لم يتكلَّم بها ملَكَها، وربما صارَ حكيمًا
بالنُّطقِ تارةً، وبالصمتِ تاراتٍ أخرى، مع إدراكِه بأن يقولَ الناسُ:
ليتَه تكلَّم، خيرٌ مِن أن يقولُوا: ليتَه سكَت.
وأما النَّزِقُ فإنما يقُودُه طَيشٌ ثائِر، وصَلَفٌ عاثِر، وضِيقُ عطَن مُستحكِم،
فلا معنَى للأناة عنده، وليس لديه حدودٌ ولا خطوطٌ حمراءُ في الألفاظ،
فهو يغرِفُ منها ما يشاء، ويُطلِقُ حبلَها على الغارِبِ بلا زِمامٍ ولا خِطامٍ،
دون استِحضارٍ لدلالاتِها وما تكونُ به مآلاتُها؛ حيث تختلِطُ عنده ألفاظُ السِّباب،
وألفاظُ المَدِيح، وألفاظُ الأُلفة، وألفاظُ النُّفرَة؛ إذ لا مِعيارَ لها
عنده يحكُمُها، وإنما يُدبِّرُها غضَبُه، ويُوجِّهُها نَزَقُه، ويُهيِّجُها ضِيقُ
عطَنِه، فلا يُفيقُ إلا وقد طارَت بكلامِه الرُّكبان، ولاتَ حين ندَمٍ واعتِذارٍ.
هو وأمثالُه يصدُقُ فيهم ما جاء في الحديثِ الحسَنِ مرفوعًا:
( ولا تكلَّم بكَلامٍ تعتَذِرُ مِنه غدًا )؛
رواه أحمد وابن ماجه.
وأما الجاهِلُ - يا رعاكم الله - فذلكم مَن يقُودُ لِسانُه عقلَه، فيكونُ به
عدوَّ نفسِه قبل أن يستعدِيَ الناسَ عليه، وقد قِيل:
لا يبلُغُ الأعداءُ مِن جاهِلٍ
ما يبلُغُ الجاهِلُ مِن نفسِهِ
لأنَّ الجهلَ - عباد الله - أُسُّ كل بلِيَّةٍ؛ فمَن جهِلَ عِظَم شأنِ اللِّسان جهِلَ
ما سيتلفَّظُ به، فلم يدرِ ما خيرُه وما شرُّه.
والجهلُ - عباد الله - داءٌ يُزرِي بعقلِ صاحِبِه، فكيف بلِسانِه؟! ومِثلُ ذلكم
لا يعلَمُ متى ينطِقُ، ومتى يسكُت؛ لأنَّ فاقِدَ الشيءِ لا يُعطِيه، وتلك معرَّةٌ
نعوذُ بالله مِن غوائِلِها.
كيف لا، وقد وعَظَ الله نوحًا - عليه السلام - بقولِه:
{ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ }
[هود: 46].
ثم إنَّ كثرةَ الكلام ليس هو علامةَ العلم؛ فقد يكونُ الصمتُ علمًا تارةً،
كما يكونُ الكلامُ علمًا تارات.
وقد كان صمتُ بعضِ عُلماء السَّلَف مُزاحِمًا كلامَهم، وربما كان للصَّمت
صوتٌ معنويٌّ أبلَغُ مِن صَوت الكلامِ الحِسِّي؛ إذ ليس شرطًا أن يكون
الصَّمتُ جهلًا بالشيء، بل إنَّه يعني بداهَةً أنَّه ليس ثمَّة ما يستحِقُّ الكلام.
ومما لا شكَّ فيه أنَّ مَن أحسَنَ صمتَه أحسَنَ كلامَه، فيُصبِحُ صَمتُه حكمةً،
ومنطِقُه حكمةً، تتعلَّمُ مِن صَمتِه كما تتعلَّمُ مِن كلامِه، هذا وأمثالُه
لآلِئٌ يقِلُّ وجودُها في بِيئاتٍ مليئةٍ بالثَّرثَرةِ والصُّراخ.
وإن كان ثمَّة إشارةٌ بهذه المُناسَبة - عباد الله - ففي أمرَين:
أحدهما: أنَّ إطلاقَ المرء لِسانَه في كل شيءٍ تكلُّفٌ ممقُوت، ولَبُوسٌ
مكرُوه؛ فمِن أقبَح ما ينطِقُ به اللِّسان ما خرَجَ مِنه على سبيلِ التعالِي،
والتكلُّف، والغُرور، ووحشِيِّ الألفاظ؛ فإنَّ أصحابَ مِثل ذلكم اللِّسان هم
مِن أبغَضِ الناسِ إلى الحبيبِ المُصطفى والرسُولِ المُجتبَى،
حين قال - صلواتُ الله وسلامُه عليه -:
( وإنَّ أبغَضَكم وأبعَدَكم مِنِّي يوم القِيامة الثَّرثَارُون والمُتشدِّقُون
والمُتفَيهِقُون )؛
رواه الترمذي.
والثَّرثارُ - عباد الله - هو كثيرُ الكلامِ.
والمُتشدِّقُ هو المُتطاوِلُ على الناسِ بكلامِه تفاصُحًا وتعظيمًا لنفسِه.
والمُتفيهِقُ هو المُتوسِّعُ في كلامِه غُرورًا، وكِبرًا، وإظهارًا لفضلِه
على غيرِه.
والأمرُ الآخرُ - عباد الله - أنَّ نُزولَ صاحِبِ اللّسان ميدانًا غيرَ ميدانِه،
وخوضَه فنًّا غيرَ فنِّه عورةٌ مكشُوفة، ومحلٌّ لتندُّرِ الناسِ به؛
فإنَّ مِن المُسلَّمات بداهةً احتِرام التخصُّص، فلا يَهيمُ المرءُ في كل وادٍ،
بل ينبغي له ألا يقولَ إلا ما يُحسِنُه، فإنَّ أقوامًا تحَّثُوا فيما لا يُحسِنُون،
فأوقَعَهم حديثُهم فيما لا يرجُون. فلِسانُ الفقيهِ ليس كلِسان الطَّبيبِ،
ولِسانُ السياسيِّ ليس كلِسان الواعِظِ.
ولقد أحسَنَ الحافِظُ ابنُ حجر - رحمه الله - حين قال:
ومَن تكلَّمَ فيه غير فنِّه أتَى بالعجَائِبِ.
ثم اعلَمُوا - يا رعاكم الله - أنَّ خطرَ الكلِمة لا يكمُنُ في مبناها، وإنما
يكمُنُ الخطرُ كلُّ الخطر في معناها؛ فلكم أن ترَوا كم في كلمةِ (أُفٍّ)
مِن عُقوقٍ بالوالِدَين بالِغ، وهي كلِمةٌ صغيرةٌ لا تحمِلُ إلا حرفَين اثنَين،
{ فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا }
[الإسراء: 23].
بارَكَ الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفَعَني وإياكم بما فيه مِن الآيات
والذِّكر الحكيم، قد قُلتُ ما قُلتُ؛ إن صوابًا فمِن الله، وإن خطأً فمِن
نفسِي والشيطان، وأستغفِرُ الله لي ولكم ولسائِرِ المُسلمين والمُسلمات
مِن كل ذنبٍ وخَطيئةٍ، فاستغفِرُوه وتوبُوا إليه، إنَّ ربي كان غفورًا رحيمًا.
الخطبة الثانية
الحمدُ لله حمدًا كثيرًا لا ينفَد، والصلاةُ والسلامُ على أفضل
المُصطفَين محمد، وعلى آله وصحبِه ومَن تعبَّد.
أما بعد:
فاتَّقُوا اللهَ - معاشِر المُسلمين -، وراقِبُوه فيما تنطِقُون به وما تسكُتُون عنه؛
فإنَّ اللِّسانَ العَفِيفَ يهدِي صاحِبَه إلى الجنَّة، كما أنَّ اللِّسانَ البَذِيء
يهدِي صاحِبَه إلى النار. اللِّسانُ الصالِحُ ضِياءٌ ونُورٌ، واللِّسانُ الفاسِدُ قتَرٌ وظُلُماتٌ.
وحسبُكم في ذلكم دُعاءُ المُصطفى - صلواتُ الله وسلامُه عليه -:
( اللهم اجعَل في قلبِي نُورًا، وفي لِسانِي نُورًا،
واجعَل في سمعي نُورًا، واجعَل في بصَرِي نُورًا ..)؛
رواه البخاري ومسلم.
ثم اعلَمُوا - يا رعاكم الله - أنَّ البلاء مُوكَّلٌ بالمنطِق، فلينظُر المرءُ
ما ينطِقُ به لِسانُه؛ فإنَّ تغليبَ الفأل في الكلام، والنأْيَ به عن مراتِعِ التجهُّم
والتشاؤُم مِن هَديِ سيِّد المُرسَلين - صلواتُ الله وسلامُه عليه -،
فإنَّه - صلواتُ الله وسلامُه عليه - دخلَ مرَّةً على أعرابيٍّ يعُودُه، فقال:
( لا بأس، طهورٌ إن شاء الله )،
قال: قُلتَ: طَهور! بل هي حُمًّى تفُور - أو تثُور - على شيخٍ كبير،
تُزِيرُه القبُور، فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -:
( فنَعم إذًا )؛
رواه البخاري.
وفي بعضِ الروايات أنَّ الرجُلَ ماتَ اليومَ الذي يَلِيه.
وبمِثلِ هذا جاء خبرُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فيمَن ابتدَرَه لِسانُه
بالنَّظر إلى واقعِ الناسِ نظرةَ تشاؤُمٍ ويأسٍ وانغِلاقٍ لا انفِتاحَ معه؛
حيث قال - صلواتُ الله وسلامُه عليه -:
( مَن قال: هلَكَ الناسُ، فهو أهلَكُهم )؛
رواه مسلم.
ثم إنَّ لِسانَ المُسلم ينبغي أن يكون كالمِرآة لمُجتمعه وبنِي مِلَّته،
فلا يسمَعون مِنه إلا نُصحًا هادِفًا، أو خبرًا صادِقًا، أو ذِكرًا نافِعًا، بعيدًا
عن تتبُّع العَورات، والفُجور في الخُصومات، والانتِقائيَّة المَقِيتة التي
تُظهِرُ التضادَّ والتضارُبَ، والكَيلَ بمِكيالَين، بل ينبغي له ألا يُطلِقَ لِسانَه
مِن زاوِيةٍ ضيِّقةٍ، فلا يسكُت فيما ينبغي الحديثُ عنه مِن نفعٍ وبِرٍّ، ولا
يُطلِقُ لِسانَه فيما ينبغي سَترُه أو السُّكُوتُ عنه؛ ليكونَ خُلُقُه الخِطابيُّ
واقعيًّا لا خياليًّا، ومنطقيًّا لا افتراضيًّا، وفاضلًا غيرَ مُنافٍ للأخلاق،
ونافعًا غيرَ مُضادٍّ للمصلَحة العامَّة.
وإذا ما تنازَعَت الألسُن، وتشاحَّت الأفهام، ومارَت ظُنُون الناسِ، فغارَ
بعضُها على بعضٍ، فإنَّ السلامةَ لا يعدِلُها شيءٌ. فلو كانت السلامةُ في
مثلِ هذه الصُّورة عشرة أجزاء، فإنَّ تِسعةً مِنها في السُّكُوت.
فعن عُقبة بن عامرٍ - رضي الله تعالى عنه - قال:
قُلتُ: يا رسولَ الله! ما النَّجاة؟ قال:
( أمسِك عليكَ لِسانَك، وليَسَعْكَ بيتُك، وابْكِ على خطِيئَتِك )؛
رواه الترمذي.
هذا وصلُّوا - رحِمَكم الله - على خيرِ البريَّة، وأزكَى البشريَّة: محمدِ بن
عبد الله صاحبِ الحوض والشَّفاعة؛ فقد أمَرَكم الله بأمرٍ بدأ فيه بنفسِه،
وثنَّى بملائكته المُسبِّحة بقُدسِه، وأيَّه بكم - أيها المُؤمنون -،
فقال - جلَّ وعلا -:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }
[الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم وزِد وبارِك على عبدِك ورسولِك مُحمدٍ صاحِبِ الوَجهِ
الأنوَر، والجَبِين الأزهَر، وارضَ اللهم عن خُلفائِه الأربعة: أبي بكرٍ،
وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائِرِ صحابةِ نبيِّك مُحمدٍ - صلى الله عليه وسلم -،
وعن التابِعين ومَن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوِك
وجُودِك وكرمِك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين،
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واخذُل الشركَ والمُشركين،
اللهم انصُر دينَكَ وكتابَكَ وسُنَّةَ نبيِّك وعبادَكَ المُؤمنين.
اللهم فرِّج همَّ المهمُومين من المُسلمين، ونفِّس كَربَ المكرُوبِين،
واقضِ الدَّيْنَ عن المَدينِين، واشفِ مرضانا ومرضَى المُسلمين برحمتِك يا أرحم الراحمين.
اللهم آمِنَّا في أوطانِنا، وأصلِح أئمَّتَنا وولاةَ أمورِنا، واجعَل ولايتَنا فيمَن
خافَك واتَّقَاك، واتَّبعَ رِضاك يا رب العالمين.
اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تُحبُّه وترضاه مِن الأقوالِ والأعمالِ يا حيُّ يا قيوم،
اللهم أصلِح له بِطانتَه يا ذا الجلال والإكرام،
اللهم وفِّقه ووليَّ عهدِه لما فيه صلاحُ البلاد والعباد.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفُقراء، أنزِل علينا الغيثَ
ولا تجعَلنا مِن القانِطين، اللهم أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعَلنا مِن القانِطين،
اللهم لا تحرِمنا خيرَ ما عندك بشرِّ ما عندنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا
، اللهم أغِثنا، اللهم أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعَلنا مِن القانِطين،
واجعَل ما أنزلتَ لنا بلاغًا لنا ومتاعًا إلى حين يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم آتِ نفوسَنا تقواها، وزكِّها أنت خيرُ مَن زكَّاها، أنت وليُّها ومولاها.
{ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ }
[البقرة: 201].
عباد الله:
اذكُرُوا اللهَ العظيمَ يذكُركُم، واشكُرُوه على آلائِه يزِدكُم، ولذِكرُ الله أكبر،
والله يعلمُ ما تصنَعُون.
|