من: الأخت/ الملكة نور
شرح الدعاء من الكتاب والسنة (4)
شرح ربَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلَتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ
{ رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلَتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ } .
هذا الدعاء جاء ذكره في كتاب اللَّه العزيز تنويهاً بأهميّته ، و الحثّ
على العناية به في كتابٍ يُتلى إلى يوم القيامة ؛ لأنه جاء عن خلصاء
أصحاب عيسى ، و أصفيائه ، و أنصاره ، سمّاهم اللَّه تبارك و تعالى
(الحواريون) من صفائهم ، كالشيء الأبيض الخالص البياض ،
من شدة النقاء والصفاء .
فقد أخلصوا سرائرهم، وعلانيتهم، ونياتهم، فصاروا في أعلى درجات
النقاء في ظاهرهم و باطنهم .
قولهم : { رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ }
قدّموا توسّلهم بربوبيته تعالى؛ ( لأنّ الربوبية تدور على ثلاثة أشياء :
الخلق ، والملك، والتدبير، وإجابة الدعاء، داخل في هذه الثلاثة،
فلذلك كان كثيراً ما يتوسّل به الداعون من الأنبياء و المرسلين ،
و غيرهم من المؤمنين ، كما في الحديث الصحيح :
(يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ، يَا رَبِّ)
أي : يا ربّنا صدَّقنا بكتابك الذي أنزلته ( و هو الإنجيل ) ، وبكلّ ما أنزلته،
وهذا الإيمان الكامل الذي يتضمّن الإيمان بكلّ ما أنزل اللَّه تعالى
على أنبيائه من الكتب من قبلهم ، ومن بعدهم ، و في تقديم الإيمان باللَّه
( لأنّه هو أصل كلّ شيءٍ، و مقدّم على كل شيء ، و الإيمان باللَّه تعالى
يتضمّن أموراً: الأول : الإيمان بوجوده ، والإيمان بربوبيته ،
و الإيمان بألوهيّته ، و الإيمان بأسمائه ، و صفاته جلّ وعلا ) .
{ وَاتَّبَعْنَا الرَّسولَ }: أي امتثلنا بما أتى به ظاهراً وباطناً، وهذا هو ثمرة الإيمان ،
و الاتّباع ، والإذعان ، فجمعوا في دعائهم عدّة توسّلاتٍ عظيمة :
توسّلاً بربوبيته ، وبإيمانهم، وعملهم الصالح بين دعائهم ،
و طلبهم ، استمطاراً لسحائب الإجابة منه .
{فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ}: هذه الغاية عندهم بعد تقديمهم الوسيلة :
( فأثبت أسماءنا مع أسماء الذين شهدوا بالحق ، و أقروا لك بالتوحيد ،
و صدَّقوا رسلك ، و اتبعوا أمرك ونهيك ، فاجعلنا في عدادهم ومعهم،
فيما تكرمهم من كرامتك ، و أحلّنا محلّهم...) .
و يدخل في ذلك دخولاً أوليّاً أمتنا أمة الحق والوسط، وهذا إخبار ربّ العالمين،
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} ؛
لأنها هي آخر الأمم .
قال شيخ المفسرين الطبري رحمه الله :
( يعرف خلقه – جل ثناؤه- بذلك سبيل الذين رضي أقوالهم و أفعالهم :
ليحتذوا طريقهم ، و يتبعوا منهاجهم ، فيصلوا إلى مثل الذي وصلوا
إليه من درجات كرامتهم )
تضمّن هذا الدعاء من الآداب والفوائد :
1- ( إنّ الإيمان لا بد له من اتباع .
2 - إنّه يجب أن يكون الإيمان شاملاً لكل ما أنزل اللَّه تعالى)
3 - ( إنّ إشهاد الإنسان على نفسه بالإيمان أو بالإسلام، وما أشبه ذلك
لا يعد من الرياء ، لا سيما في الاتباع؛ لأن في ذلك فائدة ، و هي تقوية المتبوع) .
4 - أهمية التوسل إلى اللَّه تبارك و تعالى بأكثر من وسيلة ،
فقد توسّل الأنبياء إلى اللَّه تعالى بوسيلتين عظيمتين :
أ - الإيمان به .
ب - و اتباع الرسول في قبول دعوتهم .
الحرص على صحبة الأخيار؛ لأن في ذلك الصلاح في الدنيا،
والفلاح في الآخرة، لقوله تعالى: { فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ }