الموضوع: درس اليوم 4888
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 07-17-2020, 02:33 PM
حور العين حور العين متواجد حالياً
Senior Member
 
تاريخ التسجيل: May 2015
المشاركات: 61,430
افتراضي درس اليوم 4888

من:إدارة بيت عطاء الخير

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

درس اليوم
شرح اسم الباطن (01)

الدِّلالاتُ اللُّغَوِيَّةُ لاسْمِ (الْبَاطِنِ):
البَاطِنُ اسْمُ فَاعِلٍ لمَنِ اتَّصَفَ بالبُطُونِ، والبُطُونُ خِلَافُ الظُّهُورِ، فِعْلُه بَطَنَ
يَبْطُنُ بُطُونًا، والبَطْنُ مِنَ الإِنْسَانِ وسَائِرِ الحَيَوانِ خِلَافُ الظَهْرِ، والبَطْنُ
مِنْ كُلِّ شَيْءٍ جَوْفُهُ، قَالَ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى:

{ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ } [النحل: 78]، وقَالَ:

{ وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا }
[الأنعام: 139]،

والبُطُونُ أَيْضًا الخَفَاءُ والاحْتِجَابُ وعَدَمُ الظُّهُورِ، ومِنْهُ قَوْلُ اللهِ تَعَالَى:

{ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } [الأنعام: 151]،

وبَطْنُ الشَّيْءِ أَسَاسُهُ المحْتَجِبُ الذِي تَسْتَقِرُّ بِهِ وعَلَيهِ الأَشْيَاءُ، وعِنْدَ مُسْلِمٍ
مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:

"جَاوَرْتُ بِحِرَاءٍ شَهْرًا فَلَمَّا قَضَيْتُ جِوَارِي نَزَلْتُ فاسْتَبْطَنْتُ بَطْنَ الوَادِي
فَنُودِيتُ، فَنَظَرْتُ أَمَامِي وَخَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي فَلَمْ أَرَ أَحَدًا"،
وقَالَ تَعَالَى:

{ وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ }
[الفتح: 24]،

قَالَ ابنُ مَنْظُورٍ: "وذَلِكَ أَنَّ بني هَاشِمٍ وبني أُمَيَّةَ وَسَادَةَ قُرَيْشٍ نُزُولٌ
بِبَطْنِ مَكَّةَ، ومَنْ كَانَ دُونهم فَهُمْ نُزُولٌ بِظَوَاهِرِ جِبَالِها".

والبَاطِنُ سُبْحَانَهُ هو المحْتَجِبُ عَنْ أَبْصَارِ الخَلْقِ، الذِي لا يُرَى في الدُّنْيَا،
ولا يُدْرَكُ في الآخِرَةِ، وفَرْقٌ بَيْنَ الرُّؤْيَةِ والإدْرَاكِ، فاللهُ عز وجل لا يُرَى
في الدُّنْيَا، ويُرَى في الآخِرَةِ، أَمَّا الإدْرَاكُ فإنَّهُ لا يُدْرَكُ في الدُّنْيَا
ولا في الآخِرَةِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى:

{ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا } [الشعراء: 61، 62]،

فَمُوسَى نَفَى الإدْرَاكَ، ولَمْ يَنْفِ الرُّؤْيَةَ؛ لأنَّ الإدْرَاكَ هُوَ الإحَاطَةُ بالمدْرَكِ
مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، أَمَّا الرُّؤْيَةُ فَهِي أَخَصُّ مِنْ ذَلِكَ، فَكُلُّ إدْرَاكٍ يَشْمَلُ الرُّؤْيَةَ،
ولَيْسَ كُلُّ رُؤْيَةٍ تَشْمَلُ الإدْرَاكَ، قَالَ تَعَالَى:

{ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ
الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } [الأنعام: 103].

واللهُ عز وجل بَاطِنٌ احْتَجَبَ بِذَاتِهِ عَنْ أَبْصَارِ النَّاظِرِينَ لحِكْمَةٍ أَرَادَها
في الخَلَائِقِ أَجْمَعِينَ، فَاللهُ يُرَى في الآخِرَةِ، ولا يُرَى في الدُّنْيَا؛ لأنَّهُ شَاءَ أَنْ
تَقُومَ الخَلَائِقُ عَلَى مَعْنَى الابْتِلَاءِ، وَلَوْ رأَيْنَاهُ في الدُّنْيَا وانْكَشَفَ الحِجَابُ
والغِطَاءُ لَتَعَطَّلَتْ حِكْمَةُ اللهِ في تَدْبِيرِهِ الأشْيَاءَ، قَالَ تَعَالَى:

{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ } [إبراهيم: 19]،

فَالعِلَّةُ في احْتِجَابِهِ وعَدَمِ رُؤْيَتِهِ هِي الامْتِحَانُ والابْتِلَاءُ، قَالَ تَعَالَى:

{ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا } [الملك: 2]،

ومِنْ هُنَا كَانَ البُطُونُ، ووضْعُ الغِطَاءِ عَلَى أَهْلِ الابْتِلَاءِ، أَوْ كَشْفُ الحِجَابِ
عِنْدَ الانْتِقَالِ لِدَارِ الجَزَاءِ، قَالَ تَعَالَى:

{ لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ }
[ق: 22]،

فَكَيْفَ يَتَحَقَّقُ الإيمَانُ باللهِ ونَحْنُ نَرَاهُ؟ وكَيْفَ تَسْتَقِيمُ الشَّرَائِعُ
في مُخَالَفَةِ الإنْسَانِ هَوَاهُ؟

وإِذَا كَانَ اللهُ تَعَالَى لَا يُرَى في الدُّنْيَا ابْتِلَاءً، فإنَّهُ سُبْحَانَهُ يُرَى في الآخِرَةِ
إكْرَامًا وجَزَاءً، إكْرَامًا لِأَهْلِ طَاعَتِهِ، وزِيَادَةً في النَّعِيمِ لِأَهْلِ مَحَبَّتِهِ، كَمَا قَالَ:

{ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } [القيامة: 22، 23]،

وقَدْ تَوَاتَرَتِ الأَحَادِيثُ في إثْبَاتِ رُؤْيَةِ المؤْمِنِينَ لِرَبهِم يَومَ القِيَامَةِ، فَالْعِلَّةُ إذًا
في احْتِجَابِهِ، وعَدَمِ إدْرَاكِ كَيْفِيَّةِ أَوْصَافِهِ لَيْسَتْ عَدَمُ وُجُودِها، ولا اسْتِحَالَةِ
رُؤْيَةِ اللهِ تَعَالَى، ولَكِنَّ العِلَّةَ قُصُورُ الجِهَازِ الإدْرَاكِي في الحَيَاةِ الدُّنْيَا عَنْ
إدْرَاكِ حَقَائِقِ الغَيْبِ؛ لأنَّ اللهَ عليه تعالى خَلَقَ الإنْسَانَ بِمَدَارِكَ مَحْدُودَةٍ
لِتَحْقِيقِ مَعْنَى الابْتِلَاءِ، قَالَ تَعَالَى:

{ إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا }
[الإنسان: 2]،


أسأل الله لي و لكم الثبات اللهم صلِّ و سلم و زِد و بارك
على سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين


رد مع اقتباس